سيدي الرئيس: ما الذي تريده «زين» من إعلانها؟
سيدي الرئيس، رمضان كريم ككل عام، وشركة «زين» الكويتية عرضت إعلانًا جديدًا ككل عام، نفذه الفريق نفسه ككل عام، والسوشيال ميديا ثائرة ككل عام أيضًا، وكل عام وأنتَ بخير.
سيدي الرئيس، الإعلان يبدو إنسانيًّا، لكن أغلب الناس لم يروه كذلك. هل هو كذلك؟ لماذا لا يرونه كذلك؟
إعلان «زين»: لغة متهمة وخلط غير مفهوم
«سيدي الرئيس، رمضانٌ كريم، وأنت مدعو على الإفطار، إذا وجدت بيتي في الدمار، وعادت أمي من الطابور، بخبز وقلب مكسور». الكلمات التي كتبتها هبة مشاري حمادة اتُّهمت بالركاكة، والفكرة نُعتت بأنها مشتتة، لكن هبة لها تاريخ مع «زين» من الإعلانات التي تغنَّى على لسان أطفال، وربما يبرر هذا «بساطة» الكلمات، لكن أيُّ «شمَّاعة» نعلق عليها تشتت الفكرة؟
يستعرض الإعلان ثلاث قضايا: سوريا وبورما وفلسطين، غير أنه ليس مفهومًا لماذا اختيرت تلك القضايا بالذات. لو كان المعيار هو القضايا الحاضرة، فاليمن وليبيا والعراق وسيناء مصر حاضرة، ولو كان قضايا المسلمين، فكيف افتُرض أن هذه القضايا تخص المسلمين وحدهم؟ وإلا فلماذا «أذنت مساجد، ورنت الكنائس»؟
لو كان الإعلان يتحدث عن الديكتاتوريات بشكل عام، فكثير من القادة المستبدين لم يُذكروا فيه.
تبدو عبارة «نحن المتهمون بالعبادة، المحكومون شنقًا بالإبادة، الذين قُطعت ألسنتنا لأنها نطقت بالشهادة» دليلًا على أن المعيار إسلامي، لكن هل يعلم العاملون على الإعلان أن أسلمة هذه القضايا تضرها لا تنفعها، عوضًا عن أنها غير دقيقة؟
المجازر في ميانمار (بورما) ضد مجاميع الروهينغيا من المسلمين ليست لأنهم مسلمين فحسب، بل لأنهم أيضًا أقلية عِرقية مهاجرة من أصول بنغالية، ولطالما اعتبرهم البورميون «سكانًا غير أصليين».
ما يحدث في سوريا لم يكن يومًا قضية مسلمين وكفار، سوريا تقبع تحت نظام استبدادي لا يجد مشكلة في إبادة شعبه، بينما يواجه هذا الشعب مجموعات من الإرهابيين مثل تنظيم القاعدة وداعش والنصرة وغيرها، بالإضافة إلى جرائم الجيش الحر الذي يُفترض أنه «الذراع الثورية» للشعب.
فلسطين؟ ربما يكون تسويقها على أنها قضية إسلامية ونزاع مع اليهود على مقدسات دينية جزء كبير من مشكلتها إعلاميًّا. فلسطين قضية إنسانية، استعمار احتل أرضًا وشرد أهلها وأباد كثيرًا منهم. الفلسطينيون يُقتلون لأنهم فلسطينيون لا أكثر، إبادة السكان الأصليين دَيْدَن كل مستعمر منذ بدأت حضارة البشر على الأرض.
أين إعلان «زين» من هذا كله؟ نعم، الإعلان يتكلم لغة الشارع، لكن كان يمكن تجاوز الطابع الديني الذي أُضفي على الأزمات المطروحة بغير حاجة.
لو غضضنا البصر عن الطابع الديني، هل يمكن تجاوز الخلط العجيب بين القضايا في الإعلان؟
«كيم جونغ أون»، رئيس كوريا الشمالية، حُشر في قضيتين لا علاقة له بهما، بينما نعرف أنه يدعم الأسد، لكن لماذا كيم وليس رئيس الصين أو إيران أو غيرهم من الداعمين؟ فكيم له موقف جيد من القضية الفلسطينية، عكس عديد من قادة دول العالم الذين تجاوزهم الإعلان. هل يتحدث الإعلان عن الديكتاتوريات بشكل عام أم عن القضايا الثلاثة؟ كثير من قادة الدول المستبدين يستحقون أن يكونوا في الإعلان، إلا إنهم ليسوا فيه.
مجددًا، ربما لا يجب أن نتوقع عمقًا فكريًّا من الإعلان، ولا حتى فهمًا جيدًا للواقع السياسي، فلغة الإعلان عاطفية، تريد أن تقول إن العالم ينهار على رؤوس الأطفال، لكنها تقول هذا بشكل عشوائي غير منظم فكريًّا، بشكل يرمي إلى كسب قلب المشاهد وتعاطفه لا أكثر.
كثيرون اتهموا نبرة الطفل في الإعلان بأنها تحمل ما تحمله من الذل والاستجداء والرجاء، وعابوا على «زين» مخاطبة دونالد ترامب بـ«سيدي الرئيس». لكن أليست هذه ترجمة حرفية للعبارة التي يخاطب بها الأمريكيون رئيسهم: «Mr. President»؟ أليست أخف وطأةً من الألقاب التي خلعها بعض الزعماء العرب على أنفسهم؟
لم تخلُ كلمات الأغنية من أخطاء نحوية وغلطات في النُطق، تجدها في الجدول التالي:
مشهد الختام هو الأكثر إثارةً للجدل: ستة رجال يلبسون البشوت (رداء يلبسه الخليجيون عادةً فوق أثوابهم)، يصطفون مع الطفل بطل الإعلان، ينظرون مبتسمين إلى مسجد قبة الصخرة في القدس. من هؤلاء؟ زعماء خليجيين؟ لماذا هم على الأخص دون باقي العرب؟
هل المقصود بتجمع «أصحاب البشوت» أمام المسجد أن هناك أملًا في تحرير القدس؟ هل هذا منطقي وسط سباق التطبيع الذي يحصل حاليًّا؟ هل المقصود: أين أنتم من القدس؟ هل يُقصد إلقاء اللوم على زعماء دول الخليج؟ يبدو هذا مستبعدًا لعدم وجود عمق فكري منذ بداية الإعلان، وبالطبع لصعوبة أن تنحو «زين» هذا المنحى وتغامر بانتقاد محيطها الإقليمي.
سيدي الرئيس: أنا لا أنام
اللعب على التعاطف الإنساني يجلب مصلحة؟ دعنا نفعله. انتقاد القادة يسبب مشاكل؟ لنبتعد عنه. رأس المال جبان كما يُقال.
«سيدي الرئيس، أنا لا أنام. كلما أغمضت عيني، أسمع انفجار، ويشتعل سريري، دخانًا ونار، ويخرج الخوف، من باب الدولاب، وتبكي الأغاني، وتنزف الألعاب. سيدي الرئيس، تنزف الألعاب». كلمات الألم التي يتحدث بها الطفل وصلت ببساطتها إلى قلوب كثيرين أحبوا الإعلان ورحبوا به.
لا تطلب «زين» من مشاهدي الإعلان أكثر من التعاطف مع الضحايا، وأن يتذكروها على أنها «تلك الشركة ذات الجانب الإنساني»، لكن هل كان بإمكانها أن تقدم أكثر؟ نعم، المؤسسات الربحية الكبيرة بإمكانها أن تكون «إنسانية» فعلًا.
في 2015 طرحت «زين» إعلانًا رمضانيًّا عن اللاجئين بمشاركة مجموعة من المغنين العرب. هوجم الإعلان وتلقى كثير من النقد، فالمال الذي دفعته الشركة للتصوير داخل المخيمات كان يمكن استخدامه لتحسين وضع اللاجئين، والمبالغ التي دفعتها كان يمكن باستخدامها خلق أمل حقيقي عن طريق تعليم طفل لاجئ أو علاجه، لكن الأغنيات تدر أرباحًا أفضل.
هذا هجوم مردود عليها بأن التوعية قد تكون بنفس أهمية المساعدة المباشرة، لكن هل تحولت وعود «زين» بأن كل شيء سيكون على ما يرام إلى حملة دعم وتوعية منظمة؟ للأسف لا توجد حقائق رقمية هنا. الأكيد أن الإعلان جاءنا وحيدًا لم تتبعه حملة توعية منظمة حتى الآن.
الإعلان لا يطرح حلولًا ولا يطالب بشيء، الإعلان ينشُد أرقام مشاهدات عالية وسمعة جيدة للشركة، الإعلان يريد تسويق «زين» كجهة تؤدي واجبها الاجتماعي وتدعم القضايا الإنسانية.
رأس المال لا يستغني عن نقوده من أجل عيني القضية الكحيلتين، رأس المال يبحث عن مصلحته بين تلك القضايا. اللعب على التعاطف الإنساني يجلب مصلحة؟ دعنا نفعله، الآن. انتقاد القادة يسبب مشاكل؟ لنبتعد عنه، إلى الأبد. رأس المال جبان كما يُقال.
«زين» أرادت إعلانًا يحقق صدًى واسعًا، وحققت ذلك بالتأكيد. هذا نجاح تسويقي، وحتى انتقاد الإعلان نجاح تسويقي، لكن الشركة لم تتوقع الهجوم عليها بصفتها جهة مدعومة من الإخوان وإيران، فما الذي أوصل حدة الهجوم إلى هذه المرحلة؟
الكويت: زين.. إيران.. إخوان
جاء الإعلان في وقت حساس بالنسبة للخليج: أزمة، ومقاطعة، واختلاف في المواقف الدولية.
وفد بحريني، قيل إنه لا يمثل البحرين، يزور إسرائيل من أجل «التسامح والتعايش»، وضابط استخبارات سعودي سابق، قيل إنه لا يمثل المملكة، يلتقي شخصيات إسرائيلية خلال زيارته رام الله، ومفكرون سعوديون يتحدثون عن عدم جدوى محاربة الصهاينة، وقطر تستضيف منتخبات رياضية إسرائيلية، والإمارات ترسل فريقًا للدراجات إلى إسرائيل.
وسط هذا كله كان أمير الكويت يرفض بشكل قاطع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويتهم العالم بالسكوت على ما يحدث.
مثل هذا الموقف، الذي يشبه مواقف أخرى تختلف فيها سياسة الكويت الخارجية عن محيطها الخليجي، ربما يكون ما دفع إلى اتهامها بالتعاون مع الإخوان وإيران. الهجوم على الإعلان لم يكن هجومًا على الشركة المنتجة، بل على الكويت نفسها التي تسمح بإنتاج إعلان يصدح بأن القدس عاصمة فلسطين، فإحياء القضية بهذا الشكل ليس في صالح التوجهات الحالية للمنطقة، ومن المهم كسر هذا الخطاب.
مُنع عرض الإعلان على قنوات «mbc»، لكن لا يوجد في الأفق ما يوحي بمنعه في الكويت أيضًا. تلزم الكويت «التهدئة السياسة» في كثير من القضايا، وليس معلومًا كيف ستتصرف مع الضجة الحالية، لكن ما هو معلوم أن «زين» يجب أن تمنح فريق تسويقها «بونص» جيدًا على هذا الإعلان.
شيخة البهاويد