مسلسلات الإنترنت: هل نودع التليفزيون قريبًا؟
يزداد الإقبال على المنصات الإلكترونية يوميًّا كبديل لعرض الأفلام والمسلسلات والمواد الترفيهية. وفي شهر رمضان تحديدًا، يظهر جليًّا ابتعاد كثيرين عن شاشات التليفزيون نظرًا لكثرة الإعلانات، ويفرض موقع يوتيوب نفسه بديلًا قويًّا لمن يحبون مشاهدة المسلسلات دون فواصل.
مؤخرًا، بدأ بعض صُنَّاع المواد الترفيهية يلتفتون إلى هذا الأمر، وهكذا بتنا نشاهد تجارب تظهر مباشرةً على منصات العرض الإلكتروني بعيدًا عن التليفزيون. لكن هل يمكن أن تستمر هذه التجارب حتى تشكل قاعدة قوية للمشاهدة سنويًّا؟
من الإنترنت إلى التليفزيون
مع بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، صار الإنترنت جزءًا من مكونات الحياة اليومية عند كثير من الناس على مستوى العالم، وساعد في هذا بالطبع انتشار الهواتف الذكية.
نجح كثيرون في استغلال هذا الانتشار لتنفيذ وعرض مقاطع فيديو ترفيهية مباشرةً عبر الإنترنت. في مصر كانت أغلب التجارب لبرامج كوميدية، وفي السعودية ظهرت برامج على يوتيوب في عدة مجالات، أهمها التكنولوجيا.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن للإنترنت أن يُحدث ثورة حقيقية في حياتنا؟
فكَّر المنتجون: لماذا لا نستغل نجاح مقاطع فيديو الإنترنت على الإنترنت بالفعل؟
مع النجاح المتزايد لهذه البرامج، وتحقيق الحلقات مئات الآلاف وأحيانًا ملايين المشاهدات، بدأت بعض القنوات التليفزيونية في استغلال هذا النجاح، وقررت أن تنتقل بهذه البرامج إلى شاشة التليفزيون.
أشهر هذه التجارب كانت لباسم يوسف وبرنامج «البرنامج»، وكذلك أحمد أمين الذي كانت بدايته مع سلسلة مقاطع فيديو قصيرة بعنوان «ازاي (...) في 30 ثانية» ثم قدم برنامج «البلاتوه»، وغير ذلك توجد تجارب ناجحة وأخرى لم تحقق النجاح نفسه، مثل برنامج «مايصحش كده» الذي قدمه عمرو راضي بعد شهرته على فيسبوك، لكن المستوى الضعيف للبرنامج جعله موسمه الأول هو الأخير.
على كثرة هذه البرامج بقيت ملاحظة مهمة، أن المشاهدات الجيدة لهذه الأعمال على شاشة التليفزيون لم تمنع جمهور يوتيوب من الاستمرار مُخلصًا ليوتيوب، ويمكن إلقاء نظرة سريعة على مشاهدات هذه البرامج على الإنترنت لنجد أنها لا زالت تجمع مئات الآلاف من المشاهدات، وربما الملايين في بعض الحلقات.
هكذا كان يجب على المنتجين أن يعيدوا النظر في الوسيط الذي يجب أن يختاروه: لماذا لا نستغل نجاح فيديوهات الإنترنت على الإنترنت بالفعل؟
من التليفزيون إلى الإنترنت
في عام 2016 ظهر فيلم «تيتانك النسخة العربية» على الإنترنت، وسبقته دعاية جيدة كأول فيلم مصري يُعرض على يوتيوب.
كان هناك عديد من المحاولات لاستغلال إقبال المشاهدين على الإنترنت، أهمها بالطبع موقع «الجمهورية تي في»، الذي بدأ عام 2011 وتخصص في تقديم محتوًى ترفيهي مخصص للإنترنت، وكان يُسوَّق له على أنه أول قناة مصرية على الإنترنت.
عرضت قناة «الجمهورية تي في» برامج عدة، منها «العلم والإيماو» تقديم هشام منصور الذي حقق نجاحًا كبيرًا، ومسلسل «المحكمة» المكوَّن من حلقات قصيرة تعرض ألغازًا يحاول المُشاهد حلها.
استمرت القناة لسنوات قليلة قبل أن تدخل في إطار المحتوى العام لموقع «The Glocal» ويتوقف إنتاج المحتوى بالصورة الأولى. لم تُعلن أسباب محددة لتوقف الإنتاج، لكن هذا لم يمنع المزيد من المحاولات من الظهور مباشرةً للإنترنت.
في عام 2016 عُرض فيلم «تيتانك النسخة العربية» على الإنترنت مباشرة، وسبقته دعاية جيدة كأول فيلم مصري يُعرض على يوتيوب فقط.
كان الفيلم استثمارًا لنجاح فيديوهات شادي سرور على الإنترنت، لكن هذه المرة استُغل النجاح على الإنترنت وليس التليفزيون، وبمشاركة ممثلة معروفة هي بُشرى، وموضوع مشهور أيضًا هو السخرية من الفيلم الشهير «Titanic». وعلى الرغم من الضعف الشديد للفيلم، إلا أنه نجح في تحقيق مشاهدات تزيد عن الستة ملايين على يوتيوب، ودفع هذا آخرين إلى خوض تجربة الإنتاج المباشر على الإنترنت.
اقرأ أيضًا: هل يموت يوتيوب؟ نظرة لتطور صناعة محتوى الفيديو ومصير منصته الأشهر
تجارب جديدة في رمضان
يشهد رمضان 2017 تجربتان جديدتان في مجال إنتاج المحتوى الترفيهي للعرض على الإنترنت، الأولى هي المسلسل المصري الكوميدي «وَكلينها وَلعَة»، الذي يشارك في بطولته شريف رمزي وشيماء سيف وخالد عليش.
تتميز هذه التجربة بأنها المرة الأولى عربيًّا التي تُنتج فيها شبكة مواد ترفيهية هي «iflix» مسلسلًا ليعرض حصريًّا على موقعها. فكرة العرض الحصري على قنوات تليفزيونية مشفرة معروفة منذ سنوات، لكنها المرة الأولى التي يحدث فيها هذا على الإنترنت.
بعيدًا عن المستوى الفني للمسلسل الذي يُنتظر عرضه تليفزيونيًّا بعد انتهاء رمضان، تُعد هذه خطوة جديدة على مستويين، الأول هو مجال الإنتاج المباشر للإنترنت، والثاني مجال الدعاية للشبكات الترفيهية العربية التي تبث على الإنترنت.
في خطوة شبيهة بهذا جاء المسلسل الأردني «الحب الحب»، الذي يدور في أجواء شبابية كوميدية عن الصداقة والحب، ويُعرض على التليفزيون حصريًّا على القناة الأردنية «رؤيا»، لكن المختلف هنا هو عرضه بشكل حصري على الإنترنت على موقع «ALTV»، المتخصص في عرض المحتوى الترفيهي.
طبيعة موضوع المسلسل ومدة الحلقة (20 دقيقة) تجعله مناسبًا أكثر لمُشاهد الأونلاين. هذا العمل يُعتبر خطوة جديدة ومختلفة في سبيل التعاون بين المواقع الإلكترونية والقنوات التليفزيونية، فنحن لا نتحدث عن عرض المسلسل على موقع متخصص في الدارما التليفزيونية، بل موقع يقدم محتوًى ترفيهيًّا، وهذا قد يدفع مواقع مشابهة إلى لمشاركة في إنتاج المسلسلات لتُعرض عليها حصريًّا.
من أسباب لجوء المُشاهدين إلى يوتيوب كثرة الإعلانات بشكل مبالغ فيه.
بعيدًا عن الدراما، أصبحت الإعلانات أيضًا تذهب بشكل مباشر إلى الإنترنت منذ عدة سنوات، وفي عام 2017، شاهدنا تجربة جديدة تستغل التكنولوجيا حتى أقصى حد، هي إعلان بيبسي، الذي يجب مشاهدته على ثلاث هواتف محمولة متجاورة للإلمام به كاملًا.
المستقبل لمَن؟
حتى الآن لا زالت التجارب المذكورة جديدة، وكما هي العادة مع التجارب العربية تنقصنا الأرقام الدقيقة، باستثناء الأرقام التي يتيحها موقع يوتيوب لعدد المشاهدات، لكن عن طريق هذه التجارب يمكن الوقوف على عدد من النتائج.
أول هذه النتائج أن الناس يفضلون المشاهدة أونلاين، وملايين المشاهدات للأعمال المختلفة تؤكد هذا. وثانيها أن ذلك لا يعني نهاية عصر التليفزيون، بل على أصحاب القنوات أن يعيدوا ترتيب طريقة عرضهم، فواحد من أسباب لجوء المشاهدين ليوتيوب كثرة الإعلانات بشكل مبالغ فيه، فكلما زادت الإعلانات هرب المشاهد إلى الإنترنت. أما النتيجة الثالثة فهي أن إنتاج المسلسلات مباشرةً للإنترنت لم يحقق النجاح أو العائد المطلوب منه حتى الآن.
هكذا نجد أن صيغة التعاون المشترك بين المواقع والقنوات ربما تضمن مزيدًا من النجاح للطرفين.
هل نتعلم من «Netflix»؟
ما يساعد نجاح المواقع الأجنبية مثل «Netflix» هو استقرار فكرة الاشتراك، بينما يبحث المُشاهد العربي على العروض المجانية.
أشهر هذه المواقع بالطبع «Netflix»، الشبكة التي تنتج مسلسلات ناجحة ذات إنتاج ضخم ومستوًى فني مرتفع، والتي بلغ عدد المشتركين فيها 90 مليونًا، أكثر من نصفهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط. متوسط الاشتراك في الموقع 10 دولارات شهريًّا، أي أن الموقع يحصد كل شهر أكثر من 900 مليون دولار، وهذا بالتأكيد يساعد في استمرار إنتاج المزيد من المواد الجيدة.
يتخصص موقع «شاهد» في العرض الحصري لمسلسلات وبرامج قنوات «mbc»، ويتيح لدافعي الاشتراكات مشاهدة مكتبة أكبر غير متاحة سوى لهم، بجانب إمكانية المشاهدة دون إعلانات.
حاولت بعض القنوات الأخرى الاستفادة من هذه التجربة، مثل قناة «النهار»، التي عرضت مسلسلاتها في 2016 بشكل حصري على موقع «Mago.tv»، لكن كثرة المشاكل التقنية على الموقع تسببت في إنهاء التجربة سريعًا.
ما يساعد في نجاح المواقع الأجنبية هو استقرار فكرة الاشتراك في ثقافة المواطنين، بينما يبحث المُشاهد العربي عادةً عن العروض المجانية. حاولت بعض المواقع الاستفادة من التجربة مؤخرًا، لكن حتى الآن لم يقدم أيٌّ من هذه المواقع محتوًى مباشرًا للعرض على الإنترنت، باستنثاء تجربة «iflix» المذكورة سلفًا، وربما يُفرج الموقع لاحقًا عن بعض الأرقام لتقييم التجربة بشكل أفضل.
سواء ظهر مزيد من الأعمال المخصصة للعرض الإلكتروني أو لم يحدث، فلا يبدو أن المستقبل سيكون للقنوات التليفزيونية بشكلها التقليدي. ومع ظهور الشاشات الذكية بدأ الاستغناء عن التليفزيون بالفعل، لكن ذلك سيأخذ وقتًا، ربما يكون فرصة أخيرة للفضائيات كي تعيد ترتيب أوراقها.
أندرو محسن