تاتو: فن الوشم يشق طريقه من الأردن وسط محرمات العالم العربي
منذ سنوات ليست بعيدة كان الحديث عن الوشم أو «التاتو» أمرًا غريبًا، يمكن مشاهدته على أجسام الأجانب، لكنه كان نادرًا بين العرب، بل ويقع تحت بند المحرَّمات في الأديان، وبالتالي الممنوعات في عدة دول عربية.
في السنوات الأخيرة انتشر الوشم والمعارض التي تصممه، وتغيرت نظرة كثير من الناس إليه ليصبح أحد أنواع الفن، ويحاول مقال على موقع «CNN» التعرف على كيفية انتقال هذا الفن من خانة «الحرام» إلى خانة «الموضة»، وهل تأثر فن الوشم بالفكر العربي؟
الوشم: الفن «المحرَّم»
سفير الحِبر: جولة في صالون «Huzz Ink» للوشم
«Huzz Ink» نموذج مثالي لصالونات الوشوم، كل شيء هناك مرتب بدقة ونظافة، ويحافظ العاملون على الإرشادات الصحية. عندما تدخل المكان ستجد في استقبالك الأثاث المصنوع من الجلد، ومجموعة حديثة من الأدوات المستخدمة لرسم الوشم، مع عدة صور لوشوم مختلفة معلقة على الحائط تمنح المكان طابعه الخاص.
حازم ناعوري هو مالك الصالون، ولديه هو نفسه أربعة وشوم على جسده. حصل ناعوري على شهادة دولية في فن الوشم من الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يعود إلى وطنه ليفتتح أول صالون للوشم في الأردن، بحسب تأكيده، في عام 2007.
الوشم في الأردن ليس قانونيًّا أو غير قانوني، لكن كثيرين يرسمونه.
والد حازم كان أول من علمه استعمال الإبرة والحبر عندما كان عمره 13 عامًا، لا عجب والوالد أيضًا كان لديه وشم صغير. واليوم، يبلغ ناعوري 30 عامًا، ونجح في توسعة نشاط «Huzz Ink» في الدول العربية، فلديه فرع في دبي وآخر في القاهرة.
يقول الشاب إنه يسوق لصالونه عن طريق التوصيات المباشرة التي يقدمها من جرَّب المكان بالفعل، إضافةً إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مثل صفحة الصالون على فيس بوك وإنستغرام، التي تنشر صورًا للوشوم الجديدة باستمرار.
اقرأ أيضًا: خبير سابق في غوغل يرصد كواليس هوسنا بوسائل التواصل الاجتماعي
يصف حازم ناعوري نفسه بأنه «سفير الحِبر في العالم العربي»، ويقول إنه كان يتمنى أن يشاهد والده الراحل ما وصل إليه ابنه.
الشرق الأوسط: تاريخ من الوشوم
رغم المقاومة التي تلقاها فكرة الوشم في الدول العربية، بحكم المعتقدات الدينية والنصوص والفتاوى التي تحرمه، إلا أن هناك تاريخًا ممتدًّا من فنون الوشم عبر حضارات الشرق الأوسط المختلفة، إذ تأكد علماء الآثار من أن المصريين القدماء رسموا وشومًا على أجسادهم، بالإضافة إلى الوشم المنتشر لدى البدو، وحتى نقش الصليب على أيدي الأقباط الأرثوذكس.
يوضح حازم ناعوري أن الحصول على وشم في الأردن «ليس قانونيًا تمامًا أو غير قانوني تمامًا، لكن كثيرون يرسمونه».
بفضل ناعوري، عرف فنانو «التاتو» العالميون الوشم العربي.
يطمح ناعوري إلى تشجيع الناس على التعبير عن أنفسهم بواسطة أجسامهم، للاستفادة من بدء تقبُّل كثير من العرب للوشوم التجميلية، بالإضافة إلى تحرر عدد كبير من الشباب من قيود العادات والتقاليد، ويشجعه على هذا قصص يومية غايةٌ في الخصوصية يأتي بها زبائنه طالبين تحويلها إلى وشوم.
معظم زبائن «Huzz Ink» يطلبون وشومًا مرسومة بالخط العربي، وفي الوقت نفسه تعبر عن شيء خاص بهم وقريب إليهم، مثل أسماء أفراد العائلة أو أقوال مأثورة، وهناك فتاة طلبت وشمًا يذكرها بوالدها الذي قُتل وهي مراهقة، فمنحها وشم «أبي» شعورًا بأن والدها معها طَوَال الوقت.
دعونا ننشر «التاتو» العربي في العالم
يبقى الوشم العربي معرضًا للخطر مع أي صيحة متشددة تنطلق هنا أو هناك.
بحكم كونه صاحب أول صالون للوشم في الأردن، يرى حازم ناعوري أن مسؤوليته تتعدى مجرد رسم الوشم إلى نشر المعرفة بين الناس عن هذا الفن، ويؤكد أنه لم يكن هناك وجود عربي في أي مؤتمر عالمي لفن الوشم قبل أن يُقدم هو على هذه الخطوة.
يسعى ناعوري إلى نشر المعرفة بفن الوشم على مستويين: الأول من خلال تعريف مواطنيه والعرب، والثاني بدعوة فناني وشم مشهورين عالميًّا لزيارة صالوناته، وفي المقابل سافر هو إلى الصين وتايلاند ومدينة لاس فيغاس الأمريكية وغيرها، ليلقي محاضرات عن كيفية إدارة صالون وشم ناشئ. هذه البلدان لم تكن تعرف إلا أقل القليل عن الوشم في البلاد العربية، وعلى حد تعبيره، فقد ذُهلوا مما سمعوه.
قد يعجبك أيضًا: كيف غيرت رحلة إلى الخليج أفكار أمريكي عن العرب؟
يختتم «ناعوري» كلامه بتأكيد أن العمل بيديه ليس غريبًا عليه، كونه سليل عائلة من الموسيقيين والفنانين والحرفيين، ويرى أن الوشم ما هو إلا رسم، والإبرة فرشاة، لكنه يبدي قلقه من أنه رغم زحف فن الوشم داخل المجتمعات العربية، إلا أنه يبقى معرضًا دائمًا للخطر مع أي صيحة متشددة قد تنطلق هنا أو هناك.
أندرو محسن
ضمن مشروع لتوثيق فنون الوشم العربي عن طريق الصور الفوتوغرافية، يجمع المصور المصري بشار علاء الدين صور الوشوم على موقعه «Arab Ink» (الحبر العربي)، لتسليط الضوء على العلاقة بين فنون الخط العربي والوشم، وكيف يعكس الأخير جزءًا من شخصية حامله.
بدأ المشروع في عام 2014، ومعظم الوشوم التي يصورها من تنفيذ فناني «Huzz Ink» في العاصمة الأردنية عمَّان، وهو صالون متخصص في تصميم وتنفيذ الوشوم، وأحد أهم الصالونات العربية التي أسهمت في انتشار هذا الفن.
يقول سيف حوراني، مدير صالون «Huzz Ink»، إنه لاحظ في الفترة الأخيرة تزايدًا كبيرًا في عدد من يرغبون في الحصول على وشم، خصوصًا بين الشباب من سكان الأردن ودول عربية أخرى، مثل السعودية وليبيا وتونس، بعد أن كانت فكرة الوشم حتى وقت قريب تقع تحت بند «الحرام».