ألبوم «تقاطع» لتانيا صالح: رؤية الموسيقَى بالغرافيتي
بدافع الأمل والتحدي، وقلب لا يخلو من الشجن لكنه لا يزال يقاوم، أطلقت الفنانة اللبنانية تانيا صالح ألبومها الخامس «تقاطع» في أكتوبر 2017، في محاولة للمشاركة في إيجاد أرضية ثقافية جامعة، تبني عليها الأجيال العربية القادمة منصات ثابتة وموحدة الأهداف للانطلاق نحو غدٍ أفضل، «فنحن في نهاية المطاف مهما تبدلت لهجاتنا تجمعنا لغةٌ واحدة»، بحسب تانيا صالح
ما دفع تانيا لإطلاق ألبومها الأخير كان تفكيرها المستمر في كيفية تأقلم أبنائها مع الواقع الحالي، وحزنها من تفضيل غالبية الأبناء للهجرة، عقب فقدهم الأمل في «الوطن». لذا تحاول في «تقاطع» التعلق بما تبقى من جمال في المنطقة العربية، خصوصًا الخط، باعتباره فنًّا قادرًا على التعبير عن ثقافتنا.
«تقاطع» تجربة سمعية بصرية، تجمع بين فن الشارع، والخط العربي، والشعر، والموسيقى الإلكترونية المعاصرة.
من القصائد إلى الفن
«الفن في رأيي مهمته تمثيل الواقع بخيره وشرِّه، وإلا فهو ليس فنًّا. المقاومة بالفن لا العنف هي الأجدى على المدى الطويل. في ألبومي الجديد لا أُحمِّل الفن أكثر من طاقته، بل أحاول تحميله بعضًا من المسؤولية، خصوصًا أن تاريخ الشعوب يُكتب بفنها وليس بأي شيء آخر. وهل يُعقل أن نبقى صامتين حائرين ضائعين؟ مسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة هي المحاولة في تغيير الواقع على الأقل. وهل يُعقل أن نستمر في الفشل واللامبالاة؟ وإن حدث ذلك، فكيف سيحترمنا أولادنا؟».
هكذا تقول تانيا لـ«منشور» وعينها على مجهود دام عامين في التحضير، قرأت خلالهما مئات القصائد، من الشعر الجاهلي إلى الشعر الحديث.
القصائد التي لمست قلبها هي التي تحدث الشعراء والشاعرات فيها عن شوارعهم بكل صدق وعفوية. شعرت تانيا كأن تلك القصائد كُتبت اليوم، لأن واقعنا لم يتغير أبدًا، بل يُكرر نفسه جيلًا بعد جيل. هذه القصائد لمجموعة من الشعراء هم محمود درويش وجبران خليل جبران وجمانة حداد وبيرم التونسي وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم ونزار قباني وعبد الله البردوني ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب.
يبدو الجهد المبذول في الألبوم متماشيًا مع ما تربّت عليه تانيا، التي جابت المنطقة العربية مع والديها منذ صغرها ولم تشعر بالغربة.
«يجب على كل مَنْ هاجر مِن دياره العودة إليها في أسرع وقت، لأن التغيير الديموغرافي (السكاني) عقب حربي العراق وسوريا، وتهجير السكان، بجانب شبح التقسيم الذي يلاحقنا كشعوب، إن لم نقاومه ونعيد بناء بلادنا بأنفسنا سيتم التقسيم بالفعل».
«تجربة لبنان أكبر مثال على أننا استطعنا مقاومة التقسيم بعد الحرب الأهلية، بعودتنا إلى الوطن وإعادة إعماره بأنفسنا رغم كل شيء». تضيف تانيا تعبيرًا عن مخاوفها، التي انعكست خلال فترة تحضير الألبوم أيضًا، إذ كانت تنفذ «اسكتشات» للرسومات التي ستستعين بها، وتحاول تنسيق الفكرة التي تتقاطع فيها جميع الفنون، الشعر والرسم والخط العربي والموسيقى، وتلحن غالبية الأشعار، خصوصًا أن جميع الرسوم من أفكارها وتصميمها.
عدة فنون في ألبوم واحد
الفكرة في «تقاطع» الفنون هي تجسيد فن الشارع، ليصبح جزءًا أساسيًّا من الألبوم، فتانيا صالح حلمت طويلًا بالرسم على الجدران، ودعّم ذلك دراستها الفن التشكيلي، الذي لم تمارسه سوى في تصميم الإعلانات وأغلفة الألبومات وما شابه.
لا بد لنا من التجريب على الأقل، علينا أن نُسهِم في ابتكار الجديد في موسيقانا.
أكبر التحديات التي واجهتها كانت كيفية التعبير عن أفكار الشعراء الذين اختارت قصائدهم، وكذلك التعبير عن آلام الناس برسومات بسيطة تترك أثرها في البلاد التي زارتها.
ففي تونس العاصمة، نفذت صالح أربع لوحات في الشوارع، ثم سافرت إلى جزيرة جربة لتتعاون مع أشرف عبد العظيم ومود جيبا في رسم جدارية «السلام». وفي مصر، سجلت جميع الآلات الشرقية مع عدد من أهم الموسيقيين هناك: حازم شاهين وهاني بدير ومحمد فوزي ونانسي منير. وتعاونت في المغرب مع فنانَي الغرافيتي أيوب باسيك وأمين براش لرسم جدارية «الجهل»، أما لبنان فرسمت هناك ست جداريات، وكانت جداريتها الأخيرة في النرويج عن «وفاة الوطن».
يبدو الجهد المبذول في الألبوم متماشيًا مع ما تربّت عليه الفنانة اللبنانية، إذ كانت تجول المنطقة العربية مع والديها منذ صغرها ولم تشعر يومًا بالغربة، بل العكس، شعرت بالقِيم التي تجمع العرب، أو على الأقل كشعوب في هذه المنطقة.
الموسيقى الإلكترونية: عقبة الاستماع
بعد إعلان تانيا صالح عن خروج الألبوم إلى النور، علق أحد متابعيها على صفحتها الرسمية على فيسبوك قائلًا إن الموسيقى الإلكترونية التي استخدمتها بدت «غريبة» في الألبوم، وردت تانيا بأن اللغة الموسيقية يجب أن تلائم شباب العصر، كي تتمكن من تعريفهم إلى شعراء الألبوم وغيرهم.
تبرر المغنية اللبنانية ذلك بأنه من الصعب على الناس التأقلم مع أي جديد، لأنهم اعتادوا الأسلوب السابق والآلات الحية والتسجيل التقليدي. وفي ألبوم «تقاطع»، ترافق الموسيقى الإلكترونيةُ الآلاتَ الحية كالعود والناي والكمان والرق والطبلة والساكسوفون، مع تغيير التوزيع ومزجها بالموسيقى العصرية.
تتوقع تانيا مزيدًا من التعليقات على استخدامها للموسيقى الإلكترونية في الألبوم: «هذا النوع من الموسيقى صار لغة العصر شئنا أم أبينا، وعدد كبير من الموسيقيين يستخدمونها للتعبير في أنحاء العالم. إن أردنا أن نكون واقعيين، فلا بد لنا من التجريب على الأقل، ولا نستمر في البكاء على الأطلال، بل علينا أن نُسهِم في ابتكار الجديد في موسيقانا تحت شعار: إلى الأمام سِر».
موسيقى، ورسومات غرافيتي، وخط عربي. دخلت تانيا صالح التجربة الموسيقية بحمولة فنية كاملة، الغرض منها «إشباع الحواس» جماليًّا: الشعر محاطًا بالموسيقى التي ألفتها تانيا نفسها، فيما يظهر امتدادها على الحوائط في عدد من العواصم العربية.
ناهد سمير