حول قراءة أكثر من كتاب في نفس الوقت: أنت لست قارئًا سيئًا
يرى البعض أن قراءة أكثر من كتاب بالتوازي تخلق نوعًا من التوازن بين ما يجب عليك قراءته وما تريد قراءته. ويحاجج البعض بأن هذا التكنيك يحفز القراءة، بل يُساعد على اكتسابها كعادة. نحاول هنا استكشاف منافع قراءة عدة كتب معًا، ثم نطرح بعض النصائح حول أداء هذا بفاعلية.
القراءة من أكثر من كتاب كفعل تحرر
تحكي لورا ساكتون في تدوينتها الحميمة عن رحلة قراءة «باتشينكو» ملحمة مين جين لي، وهي رحلة غيرتها ليس لمحتوى الرواية، بل للطريقة التي قرأت بها الكتاب بالتوازي مع كتب أخرى. تقول إنها «واحدة من تلك الكتب التي تضيء لك حقائق مهولة حول الحرب وإرث الاستعمار بضراوة، لكن ببراعة أيضًا، وقد بدا أنها تتسرب إلى عظامي».
لكن تقدمها في الرواية كان بطيئًا: «لم يكن كتابًا يُقرأ قبل النوم، أو في استراحة الغداء. لقد تطلب مني إنهاؤه 23 يومًا. لا أذكر هذا للتدليل على أن السرعة مهمة، بل أذكره لما تعلمته عن نفسي كقارئة في هذا الصدد: لا يعجبني التعثر في كتاب لفترة طويلة». لورا قارئة سريعة، لا تعرف إلا طريقة واحدة للقراءة، وهي الالتهام الحثيث، كما لو كانت هذه الكتب «ثمارًا ناضجة لن تدوم».
لعل هذا ما يجعلها نافدة الصبر إذا ما بدا أن جريها المحموم ذاك، لا يكافأ. «إذا استغرق الكتاب وقتًا طويلًا لإنهائه، أكثر من ثمانية أو عشرة أيام، أبدأ في الشعور بالرهاب»، رهاب التخلّف، رهاب التفريط والتهاون، رهاب الفتور والركود.
تقول لورا في تدوينتها: «لا أعرف لماذا استغرق الأمر ما يقرب من 30 عامًا لأدرك أخيرًا أن قراءة كتب متعددة في نفس الوقت لم تكن مرهقة البتة، بل محررة. أكثر الجوانب المدهشة في هذا النظام الجديد هو أنه يمنحني على الدوام شيئًا أتطلع لقراءته. عندما أتعب من قراءة رواية بطيئة وجادة مثل باتشينكو، ألتقط بعض الأشياء الصغيرة المرهفة الجميلة: قصة حب طريفة، أو فانتازيا. أما إن كنت مستاءة أو حزينة، فأسمح لنفسي بإعادة قراءة كتاب مريح، حتى لو كنت في منتصف رواية أخرى».
عن العوائد من هذه العادة الجديدة تقول لورا: «في عام 2015 عندما كنت لا أزال أقرأ كتابًا واحدًا في كل مرة، أنهيت كتابين غير خياليين فقط. في عام 2016 قرأت 15 كتابًا. وقد أنهيت حتى الآن 33 كتابًا خلال العام الجاري. لكن هذه الإحصائيات ورغم كونها مذهلة بما يكفي، فإنها ليست الجزء الأفضل بعد. أفضل جزء هو أنني أستمتع بقراءة المزيد. لم أعد أسرع في قراءة الكتب للوصول إلى الكتاب التالي. لم تعد هناك حاجة محمومة لإنهاء كتاب بسرعة خشية التعثر فيه والسقوط في ثقب أسود من ركود القراءة. ما زلت ألتهم الكتب، لكنني تعلمت كيف أتذوقها أيضًا».
الانتقال المرن وإنهاء قائمة القراءة
ليس التنوع وحده ما يأتي من هذه العادة، إذ ترى سادي ترومبيتا أن قراءة أكثر من عنوان في الوقت نفسه يعين على إنهاء قائمة الكتب التي تنوي قراءتها، خصوصًا حين يكون إنجازها ضروريًا.
تقول سادي: «على عكس ما يبدو، فقراءة أكثر من كتاب في الوقت نفسه تسرع اجتيازك كومة الكتب التي تنوي قراءتها، مقارنة بما لو كنت تأخذها عنوانًا في كل مرة». وتعلل ذلك بأنه «في كثير من الأحيان، يتوقف القراء أمام كتاب متطلب أو ممل، ولا يمكنهم الانتقال إلى قصة جديدة حتى يشقوا طريقهم إلى نهاية القصة الحالية. ولكن عندما يكون بيدك أكثر من كتاب، بإمكانك أخذ استراحة من أي عنوان تشعر أنه يعرقل تقدمك، لتنتقل إلى عنوان أسهل، أو أكثر متعة، أو يمكن إنجازه بسرعة. بينما يبقى العنوان الصعب في انتظار أن تكون جاهزًا لتناوله مجددًا».
إحدى المنافع الأخرى لقراءة أكثر من كتاب تأتي من الموازنة بين القراءة الضرورية، والقراءة من أجل المتعة. القراءة الضرورية تشمل الكتب المدرسية أو التعليمية، أو تلك التي تسعين بها لإنجاز عملك. من الصعب إيجاد وقت لقراءة المتعة ما لم تكن متزامنة مع قراءة ما يجب عليك قراءته.
مزاج القراءة المتطلِّب
عندما نتحدث عن مزاج القراءة فهناك زاويتان للمسألة. الأولى: أن بعض العناوين يصعب مساسها، ما لم تكن في مزاج يتناسب وتناول ذلك المحتوى. يُقال إننا نشاهد عادة نوع الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عن شيء نفتقده. قد ينطبق ذلك على الكتب، وقد يتعارض. لا يمكنك إرغام مزاجك على التناسب مع مزاج الكتاب أو التعارض معه، أو أيًا يكن ما تحتاجه لسبر العنوان الذي تتلهف إليه، لا يمكنك إلا انتظار أن يأتي إليك.
ربما تحتاج لتحصيل الكثير حول خلفية الموضوع عبر كتب أخرى، قبل أن تصبح مستعدًا له. إلا أنه عندما يأتي الوقت، وهذه هي الزاوية الأخرى للموضوع، قد يكون كتابا متطلبًا عاطفيًا، يُشعرك بالإنهاك، بالامتلاء من بضع صفحات، فتضطر لتركه جانبًا.
يقول الكاتب روباك شاه: «وفقًا لتقلب المشاعر، يتقلب الاهتمام بمادة القراءة. لذلك فإن قراءة كتب متعددة في وقت واحد تسمح لعقلك باختيار المادة التي تُرضيك فكريًا وعاطفيًا».
يُحاجج شاه بأن تعدد المواد هذا يسهم في بناء عادة القراءة، نتيجة هذا الإشباع الفكري العاطفي، ولأنه أيضا يحررك من ضغط الحاجة للإنجاز حين تكون مطالبًا بإنهاء كتاب بعينه. يضيف: «تشعر بالنعاس في كل مرة تفتح فيها كتابًا. تبدأ في انتقاد انضباطك لأنك لا تستطيع القراءة لفترة أطول. يجتر هذا الاعتقاد المزيد من الأفكار السلبية: "أشعر بالنعاس خلال القراءة"، "لا يمكنني التركيز لأكثر من بضع صفحات"، "أُنجز ببطء"، "لعل القراءة ليست لي"، لكن 95% من الناس يشاركونك الشعور نفسه».
صلات وروابط
تقول سادي عن اكتشاف الروابط والصلات أثناء قراءة أكثر من كتاب: «عندما تقرأ عدة كتب بالتزامن، يتكشف لك نوع من السحر الأدبي. فجأة يصبح الكل أكثر من مجرد مجموع الأجزاء. سواء اخترت عن صدفة أو قصد قراءة مذكرات طيار مقاتل من الحرب العالمية الثانية، بجانب رواية خيالية تاريخية عن الممرضات في الخطوط الأمامية، فإن هذا "التعاضد الأدبي" كما تصفه الناقدة جوليا كيلر، يشبه وصفة طبق متكامل: المزيج المثالي من الروائح والمذاقات والقوام، الذي يوازن ويكمل كل جزء منه الآخر بطرق جديدة ومثيرة».
نصائح
الآن وقد صار واضحًا لنا المنافع التي يمكن أن يجنيها الفرد من قراءة عدة كتب بالتزامن، نتساءل عن النصائح والإرشادات التي قد تعين على فعل ذلك.
ترى الكاتبة أديبا جايغيردار أن التنويع (الاهتمام بأن تنتمي الكتب التي تقرأها معًا لأكثر من صنف أدبي) قد تكون النصيحة الأهم، إذ «لا يوجد شيء أكثر إرباكًا من قراءة كتب متعددة بها الكثير من أوجه التشابه. وهو أيضًا يتعارض مع الغرض من قراءة عدة كتب بالتوازي. فالقصد الأساسي هو التنويع، وتجنب أن تبقى حبيس نوع أدبي واحد. أَحرص شخصيًا على انتقاء ثلاثة كتب تنتمي إلى ثلاثة أصناف على الأقل: رواية أيًا يكن نوعها، وعمل غير خيالي، ومجموعة شعرية أو قصصية أو رواية مصورة، شيء يمكن إنجازه سريعًا، عمل يمكنك الولوج فيه والخروج منه دون كثير عناء».
تذهب جايغيردار في تشديدها على التنوع إلى اقتراح تغيير المكان والوسيط المستخدم: الكتب الورقية مقابل الإلكترونية أو الصوتية، المقاهي والمكتبات مقابل السرير أو الأريكة.
وتؤكد أخيرًا أن على الواحد منا أن يأخذ كل ما يلزم من الوقت لإنجاز القراءة. «لا تفزع إذا وجدت أنك تستغرق شهورًا لإنهاء كتاب واحد. شعور كهذا قد يأتيك ويلازمك لفترة، بينما في فترة أخرى تجد نفسك تقرأ العديد في وقت زمني قصير. تذكر أن ما يهم هو أن تقضي وقتًا ممتعًا في القراءة».
نوف السعيدي