عودة رالف المدمر: ماذا تفعل لعبة فيديو في عالم الإنترنت القاسي؟
هناك تَوجه فني يمكن ملاحظته في عدد من الأعمال في السنوات اﻷخيرة، يعتمد على مغازلة ذكريات سنوات الطفولة والحقب الماضية، بكل ما تتضمنه من ثقافة شعبية وثروة فنية من أفلام ومسلسلات وأغانٍ وألعاب فيديو تركت أثرها في أجيال.
يأتي فيلم ديزني الجديد «Ralph Breaks the Internet»، إنتاج 2018، شبيهًا بالجزء الأول «Wreck-it Ralph»، الذي خرج إلى النور عام 2012، مستخدمًا نفس معطياته الأساسية، ومستغلًّا التناقض الذي نعيشه ونحمله داخلنا في هذه الأوقات، بين ما نشأ عليه كثير من أبناء هذا الجيل بالتعبير الواسع، وواقعهم اليومي الذي اختلف جذريًّا، ودون أدنى شعور بأن هذا الجزء الجديد جاء فقط استثمارًا لنجاح الفيلم اﻷول منذ ست سنوات.
ديزني: اقتحام عالم جديد
تدور أحداث الفيلم داخل عالم الإنترنت، وليس صالة ألعاب الفيديو التي تعمل بالعملات النقدية كما في الجزء الأول.
«رالف» و«فانيلوبي»، اللذان ينتميان إلى عالم ألعاب الفيديو هذا، ما يزالان صديقين. يبدأ الفيلم بتأكيد صداقتهما التي تعززت خلال الفيلم الأول، وأيضًا تأكيد فقدان فانيلوبي جزءًا مهمًّا من لعبة الفيديو التي تؤدي فيها دور الشخصية الرئيسية. يقرر الصديقان الذهاب في رحلة إلى العالم الذي من خلاله يمكن الحصول على أي شيء: الإنترنت.
يبدو كأن هذا الخط الممتد على استقامته، منذ الفيلم الأول، يستمر دون نهاية، وهو تطور طبيعي من الخيارات المحدودة إلى فضاء الخيارات اللانهائية. يأتي هذا الامتداد استجابة لتساؤل فانيلوبي عن الحيرة المفهومة بين السيناريو المحفوظ للعبتها التي تؤديها بشكل يومي ثابت، والسيناريوهات المحتمَلة عن بدائل ممكنة للعبتها التي حفظتها عن ظهر قلب، رغم كل محاولات رالف خلق مسارات سباق جديدة داخل اللعبة، أو محاولات كسر الروتين بالانتقال من لعبة إلى أخرى في أوقات الفراغ.
هاجس فانيلوبي بالبحث عن الجديد، وهاجس رالف بالحفاظ على مكتسباته على أرض الواقع، سواء في صداقته غير المشروطة بفانيلوبي أو بعالمه الصغير، تتحول من مجرد هواجس اعتيادية عن الروتين إلى صراع حول البقاء في منطقة اﻷمان، أو الخروج منها والمخاطرة بما لا نعرف.
هذا الهاجس يتحول إلى حقيقة ملموسة مع بدء رالف وفانيلوبي رحلتهما عبر شبكة الإنترنت، وتعاملها مع لعبة سيارات جديدة متطورة ومختلفة عن لعبة «شوغر راش» ذات الطبيعة الطفولية البريئة. فبينما يرفض رالف كل تفاصيل اللعبة الجديدة جملة وتفصيلًا، لأنها قادمة من عالم جديد لم يعتده قط ويرفض حتى تجربته، ترى فانيلوبي في اللعبة الجديدة حلمًا يتحقق أخيرًا، بدخول تجربة جديدة أكثر نضجًا وخطورة عن عالمها اﻷول، المليء بأطايب الحلويات واﻷلوان الزاهية، وتراها كذلك فرصة لا تُعوَّض للشب عن الطوق.
رالف: التريند أيضًا حاضر معنا
خلافًا للجزء الأول، تتميز هذه الرحلة بأنها لا تسير على خط مستقيم، بل تأتي ترجمةً لكل ما جرى على الصعيد التقني في السنوات اﻷخيرة. يستفيد الفيلم ﻷقصى درجة من سيولة هذا العالم الجديد وسريانه غير المتوقف، ليضمه في أحداثه وتساؤلاته.
يذهب رالف وفانيلوبي إلى الإنترنت لهدف واضح لا غير: شراء قطعة غيار للعبة فانيلوبي، وضمان سلامة سكان اللعبة. لكن الأمر يتطوَّر إلى الدخول في تجربة منهكة مع مواقع التواصل، التي تفننت في ملاحقة «التريند» والقفز من واحد إلى آخر، وفي صنع الشهرة الوقتية. يتطور الأمر أيضًا إلى التيه في عوالم ديزني، سواء التي صنعتها أو التي استحوذت عليها، مع مرور عابر وسريع على الجانب الخفي من الإنترنت: «الإنترنت المظلم».
بما أن جزءًا كبيرًا من روح العمل يعتمد على الانفتاح اللانهائي على العالم بفضل طبيعة الإنترنت، تحتشد داخل دراما الفيلم إحالات كثيرة وإشارات إلى الثقافة الشعبية، وفي القلب منها عوالم ديزني، التي يفرد لها الفيلم مساحة درامية كبيرة، مع ظهور غير تقليدي لجميع أميرات ديزني.
إضافة إلى ذلك، نجد عناصر متناثرة من عوالم «بيكسار» و«مارفل» و«حرب النجوم» التي استحوذت عليها ديزني، وحتى نسمع شخصية «باز يطير» من فيلم «حكاية لعبة» يردد جملته اﻷيقونية: «إلى اللانهائية، وما بعدها».
إشارات وإيماءات إلى رموز الثقافة الشعبية والأفلام التي تمثل أيقونات لأجيال، لكنها إشارات تكتفي بالملاحظة، دون نظرة نقدية مختلفة لهذه الأعمال.
جنة اﻷميرات
يبدو تضمين عالم أميرات ديزني في الفيلم نوعًا من السخرية الضمنية من جميع مفرداتها، وهي سخرية تأتي من قلب عالمه الحاضن لا من خارجه، كأنها «بارودي» أو محاكاة ساخرة من الكلاسيكية الفائقة لطريقة تقديمها على الشاشة، ومن مثاليتها المفرطة، مقارنةً بالتجاوز التام لثنائية الخير/الشر مسبَقًا في الفيلم الأول، وتأكيدًا عمليًّا لسيولة عالم الإنترنت، الذي يضع كل المخزون الثقافي على أرضية واحدة تسمح بمتابعته عن كثب، بعد الصعوبات التي عانتها اﻷجيال الجديدة في هذا.
إمعانًا في السخرية، يقدم الفيلم تتابعًا غنائيًّا غير متوقَّعًا تنفرد فيه فانيلوبي باﻷداء، وهو تَتابُع يقتنص نفس روح أفلام ديزني ذات الحس الغنائي الرومانسي، بينما يعد التتابع نفسه، بجانب دوره الساخر، تصريحًا بكل ما كان يعتمل في صدر فانيلوبي منذ بداية الرحلة، حول رغبتها في تجريب أشياء جديدة ومختلفة عن حياتها مع رالف ومع لعبة «شوغر راش».
لكن في المقابل، يبدو أن كل هذا التضمين وإفساح المجال أمام عدد من الشخصيات الجديدة قد أثر سلبًا في وجود بعض الشخصيات التي كانت فاعلة بقوة في الفيلم اﻷول.
كان من الممتع للغاية زيارة رالف وفانيلوبي مرة أخرى بعد ست سنوات من أول إطلالة لهما، وكانت زيارة مواكِبة لتطورات العصر الجديد وتقلباته العنيفة، ولا يوجد ما يمنع من تكرار الزيارة مرة ثالثة حال حدوث مستجدات غير بعيدة عن اﻷفق في هذا العالم الافتراضي المليء بالاحتمالات.
محمود راضي