ما الذي يواجهه صناع الدراما في الكويت؟
أتساءل كغيري من صُناع الدراما التلفزيونية حول شكل الدراما الخليجية الحالي وإلى أين وصلت، وإلى أين ستصل في ظل المتغيرات الكبيرة على صعيد الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والذوق العام والعادات والتقاليد، ومدى قبول المشاهد الخليجي والعربي بشكل عام لطرح بعض المواضيع والأفكار الجريئة في الدراما التلفزيونية، والتي أصبحت كالخبز بالنسبة للشعوب ولا يمكن التخلي عنها حتى في أصعب الظروف، فهي متنفس حقيقي مهما حاول البعض رفضها والتقليل من شأنها بحجج أخلاقية أو حتى اجتماعية تقليدية.
وبحكم تجربتي الطويلة مع الأعمال الكويتية ذات الطابع التراثي أو الحقب الزمنية التاريخية، فثمة صعوبات تواجه إنجازها بما يتناسب وطموحاتنا، بل وحتى طموحات الجمهور، في ظل بيئة تفتقر لأدنى مقومات الاحتراف المهني، من بنية تحتية كمدينة إنتاج إعلامي، وما يتبع ذلك من عناصر مفقودة مثل المختصين في بناء الديكورات ومصممي الأزياء والمكياج، وبقية الأعمال المساندة من مدراء إنتاج متخصصين ومصممي جرافيك وموسيقيين، بالإضافة إلى قلة الممثلين ومحدوديتهم.
الأعمال التراثية: تطور بطيء وسيطرة إنتاجية
في السنوات الخمسة الأخيرة، انتبه صناع الدراما في الكويت وبدأ المنتجون والفنانون يعون أن المسلسلات الاجتماعية البسيطة والمحبوسة بين جدران المنازل الخليجية، بأثاثها المبالغ فيه وسياراتها الفارهة وغير ذلك من مظاهر الثراء، لم تعد تلبي ذائقة وتطلعات الجمهور ولهفته إلى دراما مختلفة وجديدة الروح، إذ سقطت الأعمال في فخ النمطية والتكرار والسطحية على مستوى القصص والنجوم والرؤية البصرية.
يذهب 70% تقريبًا من ميزانية العمل إلى جيوب النجوم، وما تبقى منها يُصرف على عملية الإنتاج.
وبالرغم من كل ذلك، فمثل هذه الأعمال الدرامية مستمرة وتدر أرباحًا جيدة بالنسبة للمنتجين لتدني تكلفتها، فالخطة التي يعمل بها الغالبية، والتي أصبحت معروفة حتى للعامة، هي الاعتماد على نجمة أو نجم من جيل الرواد، أو حتى من جيل الشباب الذين تقاس نجوميتهم بحسب أعداد متابعيهم على السوشيال ميديا، أما باقي الممثلين في الأدوار المساندة فهم من الصف الثالث والرابع وقليلي الخبرة ومن أنصاف الموهوبين.
وأمام ما هو مطروح على الساحة من نصوص محدودة، يضطر الممثلون والمخرجون وكامل الجهاز الفني إلى القبول من باب الرزق والمردود المادي.
مؤخرًا، انتبه بعض المنتجين إلى أن الجمهور بدأ يبحث عن الجودة والتميز من خلال انفتاحه على منصات مثل نتفليكس وHBO وغيرها، فأصبح العمل التراثي والتاريخي مطلوبًا أكثر، وخصوصًا في الموسم الرمضاني، وهذا يعني أن الجمهور يتطور ويتغير، لكن في صناعة الدراما الخليجية فالتطور بطيء ومرهون بميزانيات مرتبطة بأسعار شراء هذه الأعمال من قبل المحطات التلفزيونية.
المعضلة أن المحطات التلفزيونية تتعامل مع الأعمال الدرامية بمعايير لا تساعد منتجيها على مواصلة الإنتاج، فالمعيار القديم لا يزال قائمًا، وهو المبني على أسماء الممثلين النجوم المشاركين في العمل، دون النظر إلى جودة العمل أو ضخامة إنتاجه، إذ يذهب 70% تقريبًا من ميزانية العمل إلى جيوب النجوم، وما تبقى منها يُصرف على عملية الإنتاج بكامل تفاصيلها، والتي تشكل أساس الرؤية البصرية والفنية للعمل، مما ينعكس على جودة ومستوى الأعمال.
إنها دعوة للتفكير بصوت عالٍ مع كل المهتمين والقائمين على صناعة الدراما، هذا الانفتاح من القنوات والجمهور على الأعمال التراثية ذات الصبغة التاريخية يعتبر ظاهرة صحية، إلا إنه يحتاج إلى تقييم ودراسة وضبط معايير حتى لا تسقط الأعمال في فخ الرتابة والاستنساخ والاستسهال، ومن ثم العودة للمربع الأول وتحويلها لنفس ما تواجهه الدراما الاجتماعية المحدودة والمعلبة، فيعزف عنها الجمهور مرة أخرى.
الرقابة والوعي الجمعي
هل نحن فعلا في زمن الوعي؟ هل من الممكن أن تصمد المؤسسات الإعلامية الكلاسيكية أمام هذا الوعي؟ هل الديمقراطية الفردية للشعوب والمكتسبة من انفتاح العالم على الإنترنت ستسيطر خلال السنوات القادمة؟ وما دور الرقابة في مواجهة هذا التحدي الذي بات يهدد كيانها ووجودها؟ وهل الحوكمة على الإنترنت مشروع قابل للتطبيق فعلًا، أم أن هناك ثغرات وقوانين دولية تحول دون تطبيقها؟
كل فرد أصبح الآن قادرًا على إثارة رأي ما ضد رأي آخر لا يناسب أفكاره وثقافته ورغباته، وقد يتزايد عدد المؤيدين لذلك الرأي على السوشيال ميديا اعتمادًا على حركة القطيع والغضب الجمعي، بل وأصبحت بعض الفئات قادرة على إجبار المؤسسات الكبرى على اتخاذ قرارات توقف وتمنع وتصادر حرية الرأي والتعبير. هذا مؤشر خطير، وقد يضع تلك المؤسسات في تماس مباشر مع هذه الديمقراطية الشعوبية المكتسبة.
وكما هو معروف، فالبشر يدافعون عن كل ما اكتسبوه بوضع اليد والتقادم، إذ يصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصياتهم وأعمالهم اليومية كالأكل والشرب والنوم.
هناك منافذ للهروب من لوائح وزارة الإعلام ذات القائمة الطويلة، والتي تتفرع إلى بنود لا تنتهي، بل ومنها ما يعتمد على فكر الرقيب القابل للتغير، والذي يقرر حسب موروثه الفكري ومزاجه الخاص.
إلى متى نتهرب من مواجهة الواقع والانفتاح غير المحدود؟ أليس من الأجدى أن نواجه الفكر بالفكر والرأي بالرأي، ونجلس إلى طاولة النقاش ونتحاور للوصول إلى أسلم الحلول؟
هناك الكثير من المواضيع والأفكار الملحة التي تنتشر في المجتمع بحاجة الى طرحها بشكل واعي على شاشات العرض، من خلال أعمال درامية تسهم في تقريب وجهات النظر وطرح الحلول والتساؤلات بين أطياف البشر. موجة الإلحاد واللادينية، التعصب الديني، العنصرية بمختلف أنواعها، الفساد الإداري والأخلاقي حتى لأصحاب المهن الأخلاقية، كلها أصبحت تابوهات مغلقة الإحكام لا يمكننا إخراجها دراميًا دون الدخول في قلاقل.
محمد دحام الشمري