هل مسلسل «أوركيديا» مقتبس حقًّا من «لعبة العروش»؟
لا تزال الدراما التليفزيونية السورية تطمح إلى تقديم جديد، فرغم قلة الأعمال في السنوات الأخيرة بسبب الظروف السياسية، لم يمنع هذا من ظهور مزيد من المسلسلات. وفي 2017 كان الرهان على مسلسل «أوركيديا»، إخراج حاتم علي وتأليف عدنان العودة، الذي واجه قبل عرضه انتقادات بالسرقة من المسلسل الأمريكي الأشهر «Game of Thrones»، لمجرد تشابه ملابس أو ماكياج بعض الشخصيات مع المسلسل الأمريكي.
بعد مرور أكثر من نصف حلقات المسلسل أصبح بالإمكان أن نسأل: هل «أوركيديا» مأخوذ من «لعبة العروش» فعلًا؟ والأهم: هل سينضم المسلسل إلى قائمة الأعمال السورية الناجحة؟
فانتازيا تاريخية
ينتمي «Game of Thrones» إلى نوع سينمائي هو الفانتازيا، هذا النوع يعتمد على سرد أحداث تقع في زمان قديم ومكان غير محدد عادةً، تظهر فيه أساطير شعبية ويمتزج الواقع بعدة عناصر غير واقعية، مثل استخدام السحر أو النبوءات وحتى الكائنات غير الحقيقية، مثل التنانين.
ليست الفانتازيا، في كثير من أشكالها، جديدة على الدراما السورية.
هذا الشكل أدبي بالأساس، ولدينا «ألف ليلة وليلة» كواحدة من أشهر المؤلفات التي تنتمي إلى هذا النوع، ثم انتقل إلى السينما بالطبع في أفلام معظمها عن أصول أدبية كما حدث مع ثلاثية «Lord of the Rings»، لكن يعد مسلسل «لعبة العروش» أشهر الأعمال الفانتازية المعروفة حاليًّا، فهل كانت الدراما السورية تنتظر هذا المسلسل لدخول عالم الفانتازيا؟
ربما يخفى على بعض المتابعين أن الفانتازيا من أنواع الدراما المفضلة في المسلسلات السورية منذ أكثر من 20 عامًا، وكانت التسعينيات هي فترة ازدهار هذا النوع.
أول المسلسلات التي ظهرت في هذا الإطار وحققت نجاحًا كبيرًا وقت عرضها كان «الجوارح» عام 1995، الذي دار حول صراعات على الزعامة والسُّلطة داخل قبيلة في حقبة زمنية غير محددة. كانت مشاهدة الملابس الغريبة والقتال بالسيوف وامتطاء الخيول والحديث باللغة العربية الفصحى المتقنة أمورًا غير معتادة على المُشاهد العربي، بعيدًا عن بعض المسلسلات التاريخية أو مسلسلات ألف ليلة وليلة، وأعمال نادرة خارج هذين الإطارين.
لكن المستوي الفني المرتفع للمسلسل أسهم في نجاحه، وأغرى بتقديم مزيد من الأعمال التي تدور في الأجواء نفسها لاحقًا، مثل «الموت القادم إلى الشرق»، بالإضافة إلى مسلسلات مزجت الفانتازيا بالخلفيات التاريخية في ما يعرف بالفانتازيا التاريخية، مثل «العبابيد» الذي دار على خلفية سقوط حضارة تدمُر السورية القديمة.
إذًا، الفانتازيا في كثير من أشكالها ليست جديدة على الإطلاق في الدراما السورية، فماذا عن قصة مسلسل «أوركيديا»؟
اقرأ أيضًا: لماذا لا يتابع المشاهد العربي المسلسلات المغاربية؟
حدث في مملكة «أوركيديا»
تتطور الأحداث بشكل شديد البطء رغم كثرة شخصيات المسلسل.
تدور قصة «أوركيديا» حول صراع بين ثلاث ممالك، هي سامارا وأشوريا وأوركيديا. يبدأ المسلسل بأن أوركيديا سقطت بالفعل في يد ملك أشوريا، بينما يعقد الأخير معاهدة سلام مع ملك سامارا، الذي يعيش في أرضه آخر من تبقى من نسل ملوك أوركيديا.
ربما تبدو هذه الأجواء شبيهة نسبيًّا بواحد أو اثنين من الخطوط الدرامية في «لعبة العروش»، لكن هناك فارقًا كبيرًا بين السرقة أو الاقتباس وبين تشابه الأفكار المجردة، وإلا لاتهمنا روايات «لعبة العروش» بأنها مسروقة من عوالم «جون آر آر تولكين» صاحب روايات «سيد الخواتم» و«الهوبيت»، في حين أنها تتشابه في الأجواء العامة فقط وبعض الأفكار التي يمكن أن توجد في أي زمان ومكان، مثل مفاهيم الانتقام أو العدالة أو الصراع على الأرض.
هكذا يدخل «أوركيديا» سريعًا في الأحداث، فالحرب التي انتصر فيها ملك أشوريا على أوركيديا لم تحدث منذ زمن بعيد، والابن الباقي لملك أوركيديا، عُتبة بن الأكثم (باسل خياط)، صار شابًّا ويخطط للانتقام من الملك الجنابي (سامر المصري) ملك أشوريا الذي قتل والده، ويعمل على هذا بالتخطيط مع بقايا قوم أوركيديا الموجودين في سامارا تحت كنف الملك أنمار (جمال سليمان).
تَعِد الحلقة الأولى بالكثير، لدينا ممالك وتحالفات وصراعات سرية، لدينا عرَّافة ونبوءة سيئة، كما لدينا عديد من الشخصيات التي يبدو منذ ظهورها أن العلاقات المتشابكة بينها ستكون مصدرًا لأحداث جذابة لاحقًا، لكن بعد الحلقة الأولى طال الانتظار ليحدث جديد.
رغم كثرة الشخصيات في المسلسل، وهو ما يوفر الكثير من الخطوط التي يمكن أن تولِّد الأحداث وتدفعها إلى الأمام، فإن تطور الأحداث جاء شديد البُطء.
الخط الرئيسي الخاص بسعي عُتبة إلى الانتقام لا يظهر سوى في اجتماعات للتخطيط ثم مزيد من الاجتماعات دون حدوث جديد يُذكر، في حين أنه الخط الأكثر جاذبيةً بالنسبة للمُشاهد، فيما ينصَبُّ الاهتمام على خطوط أقل قوةً مثل قصة الحب بين الملك أنمار ورملة (إيميه صيَّاح) شقيقة عُتبة، ومحاولات الملكة لإيقاف قصة الحب تلك، أو قاطعي الطريق والفتاة التي تنضم إليهم، اللذين يأخذون حيزًا كبيرًا من الحلقات دون أن تكون أحداثهم شيقة بالقدر الكافي.
المشكلة الأكبر أن حتى هذه الخطوط الفرعية لا تتطور بالسرعة المطلوبة، بل ننتظر أكثر من حلقة لحين حدوث شيء جديد.
هنا يسقط صُنَّاع العمل في فخ الابتعاد عن الإطار الأساسي الذي يدور داخله المسلسل: الفانتازيا وليس الدراما الاجتماعية، لهذا فالمُشاهد ينتظر تشويق وينتظر أن يرى معارك وصراعات بين الشخصيات، وهو ما يندر وجوده حتى منتصف المسلسل تقريبًا. كل هذا غريب، لأن المشهد الأول من المسلسل يعرض شخصية الملك أنمار عجوزًا، ممَّا يعني أن الأحداث ستقطع شوطًا كبيرًا زمنيًّا، لكن هذا الشوط لم تنقطع منه حتى الآن سوى خطوات.
يبقى الخط الأفضل إلى الآن هو الصراع الجانبي بين سيف العز (عابد فهد) وبراء (سلوم حداد) للقرب من الملك الجنابي، والوصول إلى حكم مملكة أوركيديا تحت إمرته.
وجوه نعرفها
من مميزات الأعمال التي تعتمد على البطولة الجماعية وجود عديد من الممثلين، فيسهل أن يجد المُشاهد بينهم من يرتبط به ويتابع المسلسل لأجله. في «أوركيديا»، ينجح المخرج في اختيار عدد من الممثلين معظمهم من نجوم الصف الأول المحبوبين بالفعل، مثل جمال سليمان وباسل خياط وسلوم حداد ومي سكاف وسلافة معمار.
لكن الأهم من اختيار الوجوه المعروفة هو توظيفها في الأدوار المناسبة واستخراج أفضل ما يمكن من هذه المواهب. حاتم العلي مخرج له تاريخه الكبير في الأعمال الدرامية، خصوصًا التاريخية، مع مسلسلات مثل «ملوك الطوائف» و«الملك فاروق» و«عُمَر»، لهذا فهو يدرك جيدًا كيفية إدارة عمل ضخم.
هكذا نشاهد أن معظم الممثلين يقدمون أداءً طيبًا، طيبًا وليس رائعًا، لأن أغلبهم يمثلون شخصيات شبيهة بما قدموه من قبل من حيث طبيعة الشخصية وتكوينها، فقد شاهدنا جمال سليمان مرارًا في دور الشخص الطيب الأمين العادل، وشاهدنا عابد فهد كثيرًا أيضًا في الشخصية الشريرة.
مَن ظهر بشكل مختلف نسبيًا هو سلوم حداد، الذي اعتاد أن يقدم الشخصية الشريرة في معظم أعماله، بينما يظهر هنا في دور المستشار الحكيم والأب الحريص دائمًا على مصلحة ابنه، ابنه الذي يقوم بدوره قيس شيخ نجيب، الذي لم يكن ابنًا نجيبًا، كممثل، لسلُّوم حداد، إذ يحافظ على شكل واحد من الانفعالات طيلة الحلقات، بينما شخصيته ثرية تحمل فرصة لإظهار القدرات التمثيلية.
جاء أداء إيميه صيَّاح، التي عرفها الجمهور كمقدمة لبرنامج «The Voice»، مقبولًا كونها لا زالت في بداية مشوارها التمثيلي، لكنها تحتاج إلى الاجتهاد أكثر في ضبط انفعالاتها، خصوصًا في حالة الغضب، وإلا ستبقى محصورة في أدوار تقليدية للفتاة البريئة الجميلة.
ممالك أم مقاطعات؟
الممالك تتباين في ما بينها بشكل قوي في الديكورات الداخلية، وهو أحد العوامل التي تهتم بها الأعمال التاريخية عمومًا.
بدايةً من التترات، يعرِّفنا المسلسل بأننا أمام ممالك وليس مقاطعات أو كفور أو قبائل. لكن حتى يصل للمُشاهد شعور بأنه أمام مملكة، يجب أن يكون هذا مرئيًّا وليس مكتوبًا على التترات أو مسموعًا من خلال الحوار.
يمكن الاستمتاع بالفعل بالديكورات الداخلية للقصور من تصميم التونسي توفيق الباهي، الذي اهتم بتفاصيل الأكواخ والبيوت الصغيرة والحانات، مرورًا بالشوارع والمحال المحيطة بها، لكن نعود إلى أننا أمام مملكتين.
الممالك تتباين في ما بينها بشكل قوي في الديكورات الداخلية، وهو أحد العوامل التي تهتم بها الأعمال التاريخية عمومًا، أن يكون هناك فصلًا بصريًّا بين الممالك المختلفة بمجرد النظر إلى تصميم الديكورات ومجلس الملك والألوان المستخدمة، وهو أمر لم يتحقق هنا بالقدر الكافي، ويظل هناك تشابه كبير في تصميم قصري الملكين.
يُضاف إلى هذا، وهي ليست مشكلة الديكور وحده بل مشكلة الإنتاج ككل، عدم إعطاء الشعور بأننا أمام ممالك، بل مقاطعات صغيرة.
في مملكة أشوريا لا نكاد نرى إلا قصر الملك، لا وجود لأي شوارع خارجية أو حوانيت أو ما شابه، رغم أنها مملكة كبيرة بحكم أن جيشها احتل مملكة أخرى، في حين نرى بعضًا من هذه الملامح في مملكة سامارا، وإن ظلت الساحة الخارجية للسوق صغيرة وتفاصيلها ليست متعددة، وأبعاد البيوت والمحال تترك انطباعًا بأننا لسنا في مملكة ضخمة كما تحاول القصة إقناعنا.
لا زال بإمكاننا الاستمتاع
كان الأجدر بـ«أوركيديا» أن يرجع إلى عديد من الأعمال السورية التاريخية والفانتازية المميزة.
بعيدًا عن هذه الملاحظات، لا زال هناك الكثير من العناصر التي لا نملك سوى الإعجاب بها، على رأسها الموسيقى التصويرية التي وضعها إياد الريماوي، وهي من موسيقى التترات القليلة هذا العام التي تجبر المُشاهد على الانتظار حتى نهاية التترات للاستمتاع بها.
تبقى الدراما السورية مميزة في ما يتعلق بلمسات المكياج، التي نفذها هنا مصطفى إسلامي، والملابس لـرجاء مخلوف، وبالذات في فساتين الأميرات.
تراوح مستوى الإضاءة في المسلسل، إذ تبدو جيدة في المَشاهد الخارجية والنهارية، لكنها لا تظهر بالمستوى نفسه خلال المشاهد الداخلية الليلية، إذ تعتمد الإضاءة داخل المشهد بالطبع على الشموع، في حين أن إضاءة الغرفة وكذلك توزيع الظلال والضوء لا تتناسب وإضاءة الشموع، وإن كان هذا لا يحدث في كل المَشاهد، بل في بعض المشاهد داخل غرف القصور.
قد يعجبك أيضًا: «باب الحارة».. فليغلقه أحد: موسم تاسع من السقوط الدرامي
لا يمكن أن نقارن «أوركيديا» بـ«لعبة العروش»، لكن المسلسل السوري كان الأجدر به أن يرجع إلى عديد من الأعمال التاريخية والفانتازية المميزة التي أُنتجت في ذات البلد كي يضبط الإيقاع ويطور الشخصيات والخطوط بشكل أفضل، وإن كان هذا لا ينفي أن المسلسل تجربة مختلفة بها كثير من العناصر التي تستحق المشاهدة.
أندرو محسن