«ناين بيرفكت سترينجرز»: كيف يمكن لتسع شخصيات التعايش معًا؟
ملاحظة: يحتوي المقال على حرق للقصة والأحداث.
عند الإعلان عن مسلسل Nine Perfect Strangers كانت التوقعات عالية جدًا من حيث طاقم التمثيل وفريق العمل، بالإضافة إلى كونه أحد إنتاجات شبكة هولو، التي بدأت منذ 2011 إنتاج محتواها الخاص من أفلام ومسلسلات وغيرها. فكيف أتى أول تعاون للشبكة مع نيكول كيدمان في المسلسل الذي انتهى عرضه الأسبوع الماضي؟
تدور فكرة المسلسل حول منتجع ومركز للاستجمام اسمه Tranquillum House يجتذب الكثير من الأثرياء الذين يريدون الهروب من واقعهم وإعادة التواصل مع الطبيعة والنفس، وتديره ماشا (نيكول كيدمان)، وهي شخصية مثيرة للفضول لا تظهر للصحافة أو الإعلام كثيرًا، وتختار رواد مركزها بعناية فائقة، وتبدو كما لو أنها أرادت أن تجمع شخصيات معينة معًا في نفس الوقت لهدف غير واضح للمشاهدين.
جميع الرواد أتوا إلى المركز ليتمكنوا من تخطي عقبات في حياتهم وتجاوزها بطريقة إيجابية، وهذا النوع من المراكز يطمح لجذب نوعيات متشابهة من المجتمع، فالغالبية أتوا من خلفيات ذات امتيازات مثل الثراء الفاحش أو البياض.
أحداث القصة مبنية على رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة ليان موريارتي، ومن صنع ديفيد كيلي. ولم يكن هذا المسلسل أول تعاون بين نيكول كيدمان وديفيد كيلي، فقد سبقه مسلسل Big Little Lies مع شبكة HBO، إلا أنها المشاركة الأولى لهذا الكم الكبير من الممثلين والممثلات معًا مثل ميليسا مكارثي (المشهورة بدورها في فيلم Bridesmaids)، ولوك إيفانز (الممثل الإنجليزي الويلزي الذي اكتسب شهرته الهوليوودية من مسرحية Rent)، وبوبي كانافال (ظهر في مسلسلي Will & Grace وMr. Robot)، وغيرهم من الممثلين المشاركين في المسلسل.
منذ مشاهدة العرض التشويقي ربما تتساءل: كل هذا الطاقم الضخم من الممثلين في مسلسل واحد؟
بداية موفقة
منذ الحلقة الأولى تبدأ أحداث التسع شخصيات الأساسية في التشابك، فمِن اسم المسلسل تدور الأحداث حول رواد المركز التسعة بالإضافة للشخصية المحورية ماشا والشخصيات المساندة لها من موظفي المركز. يبدأ المسلسل بعرض خلفيات الشخصيات بشكل بسيط كالخيوط المتفرقة، ومع تقدم الحلقات ترى كمشاهد هذه الخيوط تتشابك مع بعضها البعض في المركز. يبدأ المسلسل ببناء أحداثه بشكل مثير ودرامي، إلا أن هذه التوليفة لا تستمر كثيرًا، إذ تترنح الحلقات بين إثارة وتشويق تارة، وتارة وكأنه فيلم من نوع «تشيك فليك» الذي يتناول مواضيع عن العلاقات الرومانسية.
تدور الأحداث حول ماشا الشقراء ذات اللكنة الروسية، صاحبة مركز ذات الماضي الغامض، وضيوفها التسعة وهم: فرانسيس، الشخصية الروائية التي أتت كي تعيد ثقتها في نفسها بعد قصة حب فاشلة عن طريق الإنترنت، اكتشفت من خلالها كذب الطرف الآخر وتلفيق الأحداث لكي يحصل على المال منها. وتوني، لاعب كرة القدم الأمريكية الذي انتهى مستقبله بعد إصابة رياضية أدت إلى إدمانه للعقاقير المسكنة وهجره لابنتيه اللتين توقفتا عن التواصل معه. أما القصة المحورية في المسلسل فكانت لعائلة ماركوني، الزوج نابليون وزوجته هيذر وابنتهما زوي، الذين فقدوا ابنهم زاك بعد أن أقدم على الانتحار قبل عدة سنوات.
بعدها نرى لارس، الرجل المثلي الذي ترك شريكه بعد رفضه إنجاب طفل وتكوين أسرة. وكارميل، التي تعاني من غضب داخلي بسبب طلاقها من زوجها الذي تركها من أجل امرأة أخرى أجمل وأصغر سنًا. واخيرًا الحلقة الأضعف في المسلسل، بن وجيسيكا، الزوجان اللذان فقدا لذة العلاقة الزوجية بعد فوز بن باليانصيب وتحوله إلى مليونير، بينما جيسيكا فتاة جميلة ومشهورة على وسائل التواصل الاجتماعي و«فاشينستا»، إلا أنها تعاني من متلازمة التصوير وتوثيق حياتها بشكل إيجابي مبالغ فيه.
نقطة التحول في المسلسل
خلال أول أربع حلقات تجد نفسك كمشاهد مشدودًا إلى الحوارات بين الشخصيات، فهذا الكم الهائل من الخلفيات المختلفة قصصيًا ممتع، فهناك الكثير من القصص والخيوط التي قد تنطلق لتأخذ حيزًا أعمق من الدراما والتراتبية القصصية، إلا أن ذلك لم يحدث بشكل تام، فأتت عائلة ماركوني الأنضج والأفضل قصصيًا، وذلك لترابطها مع قصة ماشا صاحبة المركز. ولذلك تبدو لك باقي القصص كأنها فرعية، لم تنضج ولم تحصل على حقها في العرض.
أما أهم نقطة تحول في المسلسل فكانت في الحلقة الرابعة، حين يكتشف رواد المركز أن ماشا استخدمت عقاقير مخدرة أو المشروم السحري دون علمهم كجزء من الخطة العلاجية في المركز. هذه النقلة تغير مجرى الأحداث، وتجذب فضول المشاهدين لمعرفة كيف سيتمكن رواد المركز من التعامل مع ماشا ومع بعضهم البعض وهم تحت تأثير المخدرات، إلا أن طريقة تناول هذا الشق القصصي من الناحية الطبية كانت ضحلة جدًا، فأتى عرض استخدام المشروم في سياق المسلسل دون موافقة طبية لرواد المركز وعدم متابعة الموظفين لهم كأحد أشد الانتقادات للمسلسل، وأساءت إلى الصورة العامة في استخدام المشروم السحري كوسيلة علاجية حديثة.
من الناحية الكوميدية أبدعت الممثلة ميليسا مكارثي (فرانسيس) بتعليقاتها المضحكة، هي وتوني (بوبي كانافال) شكلا ثنائيًا ساخرًا بالتعليقات، لكن سرعان ما تحولت علاقتهما إلى «كليشيه». هاتان الشخصيتان بدأتا الحلقة الأولى بشجار وتنافر شديدين، لكن مع تقدم الأحداث تبدأ كمشاهد في توقع قرب العلاقة بينهم بطريقة ساذجة ومتوقعة، ومع ذلك يظلان حتى آخر الحلقات من أفضل الشخصيات الكوميدية في المسلسل، وتتضمن حواراتهما تعليقات ساخرة ومضحكة.
إعادة تعزيز للنمطية
تناولت أحداث المسلسل عدة قصص مختلفة الجذور، إلا أن طريقة تناولها وعرضها أتت تعزز من النمطية الهوليوودية المعتادة، مثل شخصية كراميل المرأة السوداء المختلة عقليًا بسبب هجران زوجها لها، وإقدامها على استخدام العنف تجاه المتسبب في ذلك. وبشكل عام، أتت الشخصيات السوداء في المسلسل مهمشة قصصيًا، مثل بن الفائز باليانصيب والذي يكاد دوره في يكون معدومًا، مما يعزز من نمطية الشخصيات السوداء في الإنتاج الفني، فهي إما تكون مهمشة أو ذات طابع حاد بالمقارنة مع باقي الشخصيات.
ظهرت الشخصيات ذات البشرة البيضاء في المسلسل كأنها الوحيدة «الطبيعية»، مثل هيذر وفرانسيس اللتان تمران بمراحل الأسى والحزن، بينما النساء السوداوات مثل كراميل ودلايلا تمر بنوبات من الهلع والغضب. هذه النمطية والتمايز العرقي في تطور الشخصيات قد لا يبدو واضحًا في بداية المسلسل، لكنه يتزايد خلال النصف الأخير من الحلقات.
نرى التهميش أيضًا في شخصية لارس المثلية، والتي جاءت نمطية كما في غالبية المسلسلات دون أي عمق أو نضج، إذ نعرف بطريقة عرض سطحية ودون أي عمق أنه سبق وتعرض للابتزاز والتنمر مما جعله قاسيًا ومتبلد المشاعر. وبسبب ذلك أتت قصة عائلة ماركوني وتشابكها مع ماضي ماشا الغامض كأساس للمسلسل، وهي الأعمق مقارنة مع باقي قصص الشخصيات، إلا أنها هي كذلك أتت هزيلة وليست بالعمق المطلوب لعائلة فقدت فردًا من الأسرة منتحرًا، فكانت النهاية كأنها إعصار سريع يعصف بالعائلة دون تفكيك لكل تلك المشاعر بشكل منطقي.
إحدى أهم نقاط قوة المسلسل هي التنوع، والتي قد تبدو لك أثناء مشاهدة الحلقة الأولى، لكنها سرعان ما تتحول إلى أكبر نقطة ضعفه بعد عرض باقي الحلقات، إذ ينتهي المسلسل باستعراض سطحي لهذا التنوع وإعادة تعزيز للنمطية الهوليوودية دون أي مجهود فعلي لكسر تلك القوالب الجاهزة.
قد يوحي لك إعلان المسلسل بأنك أمام قصة متعددة الأركان، لكن بعد المشاهدة قد لا تجد قيمة لهذا التنوع. بل على العكس تمامًا، يبدو لي المسلسل كأحد أفضل الأمثلة لدراسة حال الإنتاج الفني، ويمكن استخدامه كمثال نقاشي عن دور المسلسلات في تناول موضوعات العِرق والجنسانية والمخدرات. جاء مسلسل Nine Perfect Strangers بقيمة إنتاجية ضخمة ورائعة من حيث التصوير والإخراج وكذلك اختيارات الموسيقى، إلا أنه فشل في تناول الأفكار التي يطرحها لدرجة التساؤل: لماذا أضعت ساعة من وقتي أسبوعيًا لمتابعة حلقاته؟
فريق منشور