«خير وبركة»: تلخيص «مسرح مصر» في فيلم
لم يكن أحد يظن أن «مسرح مصر»، وقت ظهوره عام 2014 باسم «تياترو مصر»، سيُحدث انقلابًا على عدة أصعدة، ولا حتى صُنَّاعه.
بعيدًا عن التفاوت الكبير في تلقِّي المسرحيات، بين من يراها تضج بالكوميديا ومن يراها لا تدفع حتى إلى الابتسام، لا يمكن التغافل عن تأثيرها بأي حال، فالمسرحيات حققت، ولا تزال تحقق، نجاحًا كبيرًا على مستوى الجمهور، سواءً في المسرح الذي يمتلئ في معظم العروض، أو جمهور التلفزيون والإنترنت الذي يحول كل مسرحية إلى عدد من الصور الساخرة (الكوميكس) تبقى على الإنترنت طويلًا.
لكن التأثير لم يتوقف عند الجمهور، بل امتد إلى الصناعة نفسها، فبعد «مسرح مصر» أصبحت المسرحيات مُكَوِّنًا أساسيًّا في عدة قنوات تلفزيونية، وظهرت فرق مسرحية مختلفة، لكن لم يحقق أيٌّ منها نصف النجاح، على الأقل على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا لفت الأنظار بشكل أكبر إلى فريق «مسرح مصر».
الخطوة التالية بالطبع كانت انتقال أعضاء الفريق من المسرح إلى التلفزيون والسينما، لكن لكل وسيط شروطه وجمهوره المختلف، وقيوده أيضًا.
من بين أفلام عيد الأضحى لعام 2017، عُرض فيلم «خير وبركة» بطولة عدد من نجوم «مسرح مصر». وبعد عدد من الأعمال المختلفة، أصبح بالإمكان إعادة النظر في تأثير الفريق في صناعة الكوميديا بشكل عام في مصر.
«خير وبركة»: وميراث «مسرح مصر»
يمكن تقييم الفيلم على أنه مجرد عمل كوميدي آخر لأعضاء الفريق، أو حتى مجرد فيلم من أفلام العيد، لكن بنظرة أخرى مدققة، سنجد في هذا الفيلم ملخصًا لميراث «مسرح مصر»، إذ تجتمع فيه عدد من الملامح المتناثرة لتجربة الفريق خلال سنواته القليلة:
- رغم اعتماد الفيلم على اثنين من أفضل الأسماء في الفريق، علي ربيع ومحمد عبد الرحمن، فإنهما لم يقدرا على الانفراد ببطولة الفيلم وحدهما، بل احتاجا إلى كثير من الأسماء الأخرى مثل بيومي فؤاد وسيد رجب ومحمد ثروت للمشاركة في صناعة الكوميديا، ولا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي قدمته الأسماء الأخيرة في كوميديا «خير وبركة».
- يعتمد الفريق بشكل رئيسي على كوميديا الإفيهات اللفظية المباشرة وليس غيرها، وهذا يظهر في الفيلم، فلا توجد مَشاهد تحتاج إلى قدرة استثنائية على التجسيد، بل تكفي القدرة على إلقاء النكتة بشكل جيد. لا نعني أن هذا في حد ذاته عيبًا، لكن لِمَ لا يقدم الفريق أشكالًا كوميدية مختلفة بدلًا من الاكتفاء بقالب واحد في المسرح والسينما؟ مع الأخذ في الاعتبار أن هذا القالب كان أحد أسباب سقوط مسلسل «صد رد». وتُستثنى من هؤلاء بالطبع المحاولات الناجحة لمصطفى خاطر وكريم عفيفي وحامد الشراب.
- لم يقدم الفريق أي وجه نسائي خارج المسرح، باستثناء دينا محسن (ويزو) المحصورة في أدوار بعينها، لم تخرج أي ممثلة غيرها من العباءة وحققت النجاح، وهكذا نجدهم يستعينون دائمًا بوجوه نسائية أخرى لمشاركتهم البطولة.
- لم تغب الممثلات فقط عن الظهور، بل إن المسرح لم يقدم، بعيدًا عن نجاح الممثلين، أسماء في أي مجال آخر، وتحديدًا الكتابة، وهو أمر غريب بالنسبة لفريق قوامه الإفيهات اللفظية. فعلى تترات «مسرح مصر» نشاهد اسم نادر صلاح الدين كمؤلف ومخرج، ورغم كتابته عدة أفلام متفاوتة المستوى، فإنه لم ينجح في الاستفادة من نجاح «مسرح مصر» والخروج إلى نجاحات أخرى، ولم يشارك حتى في تأليف أيٍّ من الأعمال التي اعتمدت على ممثلي فريقه.
- جاء المستوى الفني للفيلم متواضعًا وبه الكثير من التفكك. الفكرة الرئيسية هي محاولة الأخوين «خير» و«بركة» التقاط صورة مع هيفاء وهبي لتتفاخر بهما أمهما أمام الأهل والأقارب، وهي فكرة بسيطة لكن يمكن الخروج منها بكثير من الكوميديا الجيدة، خصوصًا مع تقديم الأخوين كشخصين محدوي الذكاء. لكن الفيلم أصيب بالتفكك في نصفه الثاني، ودخلت إليه كثير من الخطوط الفرعية غير المنسوجة جيدًا، بجانب الاعتماد على كثير من الصُدف لاستكمال الفيلم، رغم أن أحد مؤلفيه شريف نجيب قدم أعمالًا كوميدية مميزة، أبرزها «لا تراجع ولا استسلام».
رغم النجاح الكبير لـ«مسرح مصر»، يصعب أن نشاهد فيه سعيًا وراء الاختلاف الحقيقي أو التطوير، بل يمكن القول إنه يقدم حالة من الاستسهال.
منذ وقت قريب نشر محمد أنور، أحد ممثلي الفريق، صورة لإحدى مسرحياتهم مصحوبةً بتعليق: «المسرحية دي بدأتها وأنا اسمي هيمه، وكملت باقي المسرحية وأنا اسمي سمير»، وهو خطأ وارد ويمكن تجاوزه، لكن يصعب تجاوز بقية ما كتبه: «ولا حصل أي حاجة، ولا حد خد باله. فعلًا ربيع كان عنده حق: هو إحنا بنعمل ليالي الحلمية؟»، وكأن تجاوُز الجمهور عن خطأ واضح أمر «عادي».
الأسوأ هو تسفيهه بشكل غريب مما يقدمونه، وخلطه بين مفهوم الكوميديا البسيطة المصنوعة بغرض الضحك وبين الاستسهال والتهاون مع الأخطاء، بل وعدم احترام المشاهد، ثم الاعتراف بذلك على أنه أمر مضحك، وهو في الحقيقة غير مضحك على الإطلاق.
هذه الملامح السابقة ليست أمرًا عابرًا يمكن التجاوز عنه باعتباره سقطة عابرة، بل إنها تدفعنا إلى النظر في الأعمال السينمائية المختلفة للفريق بعيدًا عن خشبة المسرح، هذه الأعمال التي بدأت من المنتج محمد السبكي.
السبكي يعرف أكثر
لو كان التأريخ للسينما منصفًا، لاحتل الأخَوان السبكي مكانة متقدمة ضمن أهم المنتجين في تاريخ السينما المصرية، وإن كان هذا ليس موضوعنا هنا. فكعادته، بذكاء التاجر الناجح، استغل محمد السبكي نجاح الفريق المتواصل وقرر أن يقدمهم في فيلم، هكذا ظهر «أوشن 14».
حشد السبكي عددًا من أبطال «مسرح مصر» في «أوشن 14»، وهو أمر لن يسعه تكراره، بعد تحول عدد كبير من الأسماء المشاركة في الفيلم إلى أبطال.
رهان السبكي كان على جماهيرية الفريق، ثم على الاستعانة بأكبر عدد ممكن من أفراده: تسعة من أعضاء الفريق ظهروا بمساحات مختلفة، فلو ألقى كل واحد منهم جملة مضحكة واحدة فقط لضمن إضحاك الجمهور تسع مرات في الفيلم، ورضا مَن ضحك منهم سيجذب له مزيدًا من المشاهدين.
لسنا بصدد التحليل الفني للفيلم الذي لم يكن مستواه مرتفعًا، لكن الإقبال الجماهيري عليه كان كبيرًا، حتى أنه حقق إيرادات تجاوزت 15 مليون جنيه مصري. وبينما لم تُعلَن التكلفة الحقيقية لإنتاج «أوشن 14»، فيمكن القول إنه لم يتكلف كثيرًا، بالنظر إلى أن فريق الممثلين لم يكن قد حقق القدر الكافي من النجومية خارج إطار المسرح.
هكذا حقق السبكي ما أراده من حشد كل هؤلاء، وهو أمر لن يسعه تكراره بالتأكيد، بالنظر إلى تحول عدد كبير من الأسماء المشاركة في الفيلم إلى أبطال، يصعب جمعهم في فيلم يكتفي كلٌّ منهم فيه بدور صغير، بالإضافة إلى ارتفاع أجورهم بالطبع.
رغم وجود تجارب لبعض الممثلين من أعضاء الفريق قبل «أوشن 14»، فإنها كانت تجارب فردية لا تلفت الأنظار إلى «مسرح مصر» ككيان كامل، باستثناء تجربة علي ربيع بالطبع، الذي كان أول من نجح في اقتناص الجماهيرية.
قد يهمك أيضًا: الشيخوخة تنخر عرش الزعيم عادل إمام
في البدء كان علي ربيع
لفترة طويلة، كان المُشاهد لا يعرف من أسماء الفريق سوى أشرف عبد الباقي، لكنه يفضل بعض الممثلين على غيرهم، وكان الأبرز علي ربيع، تقريبًا أول الأسماء التي حرص الجمهور على معرفتها وحفظها، وعند ظهوره على خشبة المسرح تضج القاعة بالتصفيق، هكذا كان خروجه من «مسرح مصر» إلى أعمال أخرى حتميًّا.
نجاح علي ربيع المتفاوت بعيدًا عن المسرح لم يمنعه من الاستمرار في مسيرته، والترقي سريعًا من الأدوار المساعدة إلى البطولة.
في إبريل من العام 2015 كان أول ظهور بارز لعلي ربيع في فيلم «كابتن مصر». لم يكن دوره كبيرًا أو مؤثرًا، بل إن معظم الأدوار في الفيلم كانت موجودة لغرض الإضحاك فقط، لكنه ترك أثرًا معقولًا لدى الجمهور، وامتلأت صفحات فيسبوك بكوميكس من مشاهِده.
وفي رمضان من العام نفسه بدأ ربيع يظهر بشكل أكبر، وشاهده الجمهور كممثل مساعد في ثلاث مسلسلات دفعة واحدة: «أستاذ ورئيس قسم»، و«مولانا العاشق»، و«لهفة». لكن الآراء تجاه هذه المسلسلات لم تكن إيجابية في معظمها، وكان أفضلها «لهفة»، الذي أسهمت إعادة عرضه أكثر من مرة في لفت الأنظار إليه بشكل أكبر.
النجاح المتفاوت بعيدًا عن المسرح لم يمنع علي ربيع من الاستمرار، ولم يمنع المنتجين من الإقبال عليه، بل على العكس، قرروا ترقيته سريعًا جدًّا من الأدوار المساعدة إلى البطولة، وسريعًا صار اسمه يتصدر التترات في عام 2016 في السينما والتلفزيون.
«حسن وبقلظ» كان الفيلم الذي ظهر فيه كبطل رئيسي بجانب كريم فهمي. لم يكن مستوى الفيلم مرتفعًا فنيًّا، ولم تكن الكوميديا فيه صاخبة، لكنه جمع إيرادات جيدة تخطت 10 ملايين جنيه، مع الأخذ في الاعتبار عدم وجود أي أفلام منافِسة. وهكذا كانت هذه الإيرادات كافية لجعل ربيع يستكمل مغامرته السينمائية كبطل أول في العام الذي تلاه.
على مستوى الدراما التلفزيونية كان الأمر أسوأ كثيرًا، ففي رمضان 2016 قدم ربيع مسلسل «صد رد»، أحد أسوأ المسلسلات الكوميدية في ذلك العام، ولم يلقَ أي نجاح تقريبًا، وكان عدم إعادة عرضه بشكل كثيف بعد انتهاء رمضان دليلًا على عدم وصوله إلى الجمهور. لم يكن هذا المسلسل لعلي ربيع وحده، بل شاركته عدة أسماء أخرى من الفريق بأدوار رئيسية وثانوية، لهذا كان يحمل اسم «مسرح مصر» بشكل أو بآخر، وسقوطه كان سقطة للفريق.
لم يكرر علي ربيع تجربته التلفزيونية في العام التالي، لكن على مسافة بعيدة من مسلسله هذا، مسافة بعيدة من الجودة والنجاح، جاء مسلسل «نيللي وشريهان»، الذي شارك فيه اسم تسلل بهدوء ليقلب الآراء مرة أخرى حول «مسرح مصر»: مصطفى خاطر.
قد يعجبك أيضًا: كيف يضحك السعوديون؟
مصطفى خاطر: الخروج عن النص
رغم عدم تحقيقه نجاحًا سريعًا مثل علي ربيع، لكن بعد عدة مسرحيات أصبح اسم مصطفى خاطر يتردد بشكل أكبر بين متابعي «مسرح مصر»، خصوصًا مع قدرته في كل مسرحية على تقديم «لازمة» يقولها بطريقة مختلفة، وينجح في كل ظهور له في إبراز دوره بأدائه وبهذه اللازمة، وبات من الواضح أن خاطر يجيد التنويع في الأداء وتقديم شخصيات مختلفة، لكن كل هذا لم يكن سوى مقدمة للإطار الحقيقي الذي وُضع فيه لاحقًا.
مع عرض مسلسل «نيللي وشريهان»، أحد أفضل الأعمال الكوميدية في السنوات الأخيرة، أصبح هناك فنان كوميدي معروف لدى الجمهور اسمه مصطفى خاطر. ليس هذا الذي يقول جملة أو اثنتين في «مسرح مصر» يصيب بهما بعض الضحك، بل ممثل قادر على تقديم شخصية والإمساك بتفاصيلها طيلة 30 حلقة ببراعة، والظهور بقوة وسط فريق كامل من الكوميديانات، بعضهم ذو تاريخ أكبر وأكثر قربًا من الجمهور.
اختزل علي ربيع ومصطفى خاطر وحمدي الميرغني حالة فناني «مسرح مصر»: السعي نحو البطولة، ومحاولة الاستقلال، والبقاء «محلَّك سِر».
مثلما ترقب الجمهور ظهور خاطر في كل حلقة جديدة من «نيللي وشريهان»، ترقب ما سيقدمه بعد انتهاء المسلسل، وكان السؤال الدائم: هل سيعتمد على نجاحه وينفرد سريعًا بالبطولة مثلما فعل علي ربيع؟ أم سيتريث قليلًا في خطواته قبل احتلال اسمه المكانة الأولى في التترات؟
اختار مصطفى أن يشارك في رمضان 2017 ببطولة مشتركة مع ياسمين عبد العزيز في مسلسل «هربانة منها».
تقييم هذه المشاركة سيكون ملتبسًا بعض الشيء، فمن جهة هو لم ينفرد بالبطولة، بل يصعب أن يُقال إن المسلسل بطولة مشتركة، لأن العمل كان يُسوَّق باسم ياسمين وحدها. أما على المستوى الفني فقد أُتيح له لعب كثير من الشخصيات، إذ اعتمد على تقديم فكرة جديدة في كل حلقة، لكن المستوى المتوسط لمعظم الحلقات لم يُسهِم في تقييمه بشكل حقيقي، وهكذا بقيت شخصية «سيف» من «نيللي وشريهان» أكثر حضورًا في الذاكرة.
في العام نفسه، قدم الممثل الشاب برنامج «شَكْشَك شو»، وظهر فيه بشخصية «عم شَكْشَك» التي قدمها قبلها ثلاث مرات على المسرح، لكن البرنامج كان استغلالًا سيئًا لنجاح الشخصية، واستهلاكًا لموهبة مصطفى خاطر. بينما جاءت الخطوة الأجرأ في فيلم «هروب اضطراري»، إذ ابتعد تمامًا عن الكوميديا وقدم شخصية جادة للمرة الأولى.
هكذا يمكن النظر إلى مصطفى خاطر على أنه أحد المتمردين على «مسرح مصر»، إذ تراجع عندما انغمس في إحدى شخصيات المسرح، وحقق نفسه بشكل أفضل مع ابتعاده عن إطار المسرح، سواء في عمل جاد، أو كوميديا يحافظ فيها على أداء الشخصية ولا يعتمد على «الإفيهات» اللفظية فقط.
في الوقت نفسه يظهر حمدي الميرغني بشكل أكثر إخلاصًا للقالب الذي أخرجه به المسرح، فيقبل الأدوار الثانية أكثر مثل «جحيم في الهند»، أو حتى يكون ضيف شرف في «نيللي وشريهان»، ويخفُت عندما يبتعد عن الكوميديا ولو بقدر ضئيل مثل «ليالي الحلمية 6». هكذا يبقى اسم الميرغني أكثر ثباتًا في الأدوار الثانية، وأكثر استقرارًا مع الكوميديا.
اقرأ أيضًا: شارلي شابلن: الصعلوك الذي وضع قواعد السينما ثم كسرها
ليس المقصود من السطور السابقة توجيه أصابع الاتهام إلى أعمال الفريق وأبطاله، فمرة أخرى، يصعب تجاهل ما قدمه فريق «مسرح مصر» من تأثير كبير في تعاطي الجمهور مع الكوميديا، لكن النظرة المدققة لن تجد أي تراث أو حراك حقيقي أحدثه الفريق. وبعيدًا عن النجاحات الفردية لأعضاء الفريق، من الصعب جدًّا أن يأتي اليوم الذي نؤرِّخ فيه بما قبل «مسرح مصر» وما بعده.
أندرو محسن