تجربة شخصية: كيف تؤثر الجوائز الأدبية على الكاتب؟
قد يكون حديثي عن الجوائز الأدبية فاقدًا للموضوعية بصفتي فائزًا بإحداها، لكن هذا بالتحديد هدفي من كتابة هذا المقال. كثيرًا ما نحاول أن نكون موضوعيين من خلال فصل ذواتنا عن الحدث الذي نناقشه أو نطرحه للتساؤل، معتقدين (أو متوهمين) أن النظرة من مسافة بعيدة تمنحنا رؤية أفضل وأكثر مصداقية للأشياء. لكن ما أن نقترب من الشيء أو نلامسه، أو في حالة مثالية نكون جزءًا منه، إلا ونكتشف أننا لم نكن نعرف أي شيء عنه.
هل انطباعاتنا الذاتية أثرت على أحكامنا وأفقدتها موضوعيتها؟ ومن قال إن الموضوعية المحضة هي فضيلة الفضائل في المعرفة الإنسانية؟ بل الأهم من هذا، هل هنالك موضوعية محضة؟
كثر الحديث واللغط في السنوات الماضية حول الجوائز الأدبية: أهميتها، فوائدها وأضرارها، تأثيرها على الأدب..إلخ. نُظمت المحاضرات، وكتبت المقالات، ونشبت الجدالات حول هذا الموضوع، وكانت أكثر الآراء التي تُطرح تصب ضد الجوائز، إذ كانت الأطراف التي تؤيدها غالبًا ما تجد نفسها في موضع حرج (إما كاتب أو ناقد فائز بالجائزة أو مشارك في لجان تحكيمها)، مما يجعله يتردد في إبداء رأيه خوفًا من وصمه بعدم الموضوعية وسقوطه في إشكالية «شهادتي مجروحة». أما أنا، في هذا المقال، فسأكتب من منطلق عدم موضوعيتي وشهادتي المجروحة بالجوائز.
في البداية علينا أن نفرق بين الشيء والممارسة الخاطئة له. مثلًا، إذا كان بعض رجال الدين يستخدمون المساجد لنشر أفكار مضلة أو جمع الأموال لشراء الأسلحة لدعم الإرهاب، فهل يعني ذلك أن هذه الممارسة الخاطئة مرتبطة بالضرورة بوجود المساجد، مما يحتم علينا الدعوة لإزالتها بصفتها أماكن لنشر الضلال ودعم الإرهاب؟
الأمر نفسه يصدق على الجوائز الأدبية، فلا أحد ينكر وجود التلاعب والمحسوبيات والتوجيه أو عدم أهلية لجان التحكيم في بعض الجوائز العربية أو العالمية، بل وحتى جائزة نوبل لا تسلم من هذه التهمة. لكن هل هذا يعني أن الخلل في فكرة «الجوائز» ذاتها؟ إن كان الأمر كذلك فيجب علينا إلغاء كل شيء نفعله في الحياة، حرفيًا، فلا شيء يخلو من إمكان توظيفه أو ممارسته ممارسة سلبية.
لا أرغب هنا مناقشة الآراء الرافضة للجوائز ودحضها، مع ملاحظة أن معظم أصحاب هذه الآراء إما كتابًا لم يفوزوا أو نقادًا يعتقدون أن الجوائز الأدبية سحبت البساط من تحت أقدام النقد (بمناسبة الحديث عن الموضوعية) وصارت معيار القارئ في اختيار كتبه. وأود بدل ذلك تسليط الضوء على فوائد الجوائز بشكل عام، والفوائد التي اكتسبتها أنا شخصيًا بعد فوزي بجائزة الشيخ زايد.
الجوائز بصفتها حافزًا
يبدو أنه مهما تقدم الإنسان في العمر، ومهما كبر وعيه، تظل فكرة الحافز دافعًا أساسيًا محركًا له، أيًا كان شكل هذا الحافز وقيمته، بدءا من مكافأة لفظية أو مديح يتلقاه، وصولًا إلى مكافأة العالم الآخر متمثلة في الجنة، وهو ما قامت عليه فكرة «الترغيب» في الأديان.
تطبيق هذه الفكرة في المجال الأدبي ليس بدعة محدثة ولا أمرًا جديدًا، بل على العكس من ذلك، فطوال العقود الماضية أثبتت الجوائز نفسها كأحد المعايير المهمة التي تسهم في نهضة الأدب. في كتاب «أدب الأطفال من إيسوب إلى هاري بوتر»، خصص المؤلف «سيث ليرر» فصلًا كاملًا عن أهمية هذه الجوائز، يقول فيه إن «ثقافة الجوائز وجهت طباعة الكتب خلال ما يزيد على قرن، وساعدت على تكوين معايير لكتب الأطفال في أمريكا منذ عشرينيات القرن العشرين. لقد بدأت جمعية المكتبات الأمريكية منح جائزة نيوبري لأفضل كتاب في أدب الأطفال عام 1922، ودشنت ميدالية كالديكوت لأفضل تصوير لهذه الكتب عام 1938».
وفي سياق مقارب، دعيت سنة 2020 للمشاركة في «مهرجان طيران الإمارات للآداب»، وكانت من ضمن الفعاليات التي شرفت بها المشاركة في تكريم الفائزين بـ«جائزة أمناء المكتبات» في دورتها الرابعة. قبل هذه الفعالية زرت بعض المدارس للمشاركة في فعاليات أدبية أخرى مع الطلبة، وقد ذهلت من مدى جودة المكتبات المدرسية في مدارس الإمارات.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من الذكاء والقدرات التحليلية لمعرفة التأثير الواضح والمباشر لجائزة أمناء المكتبات على تحسين المكتبة المدرسية، فقد حولت أمين المكتبة من موظف قابع في هامش القيمة الوظيفية، لا تتعدى مهمته الجلوس على الكرسي وحيدًا طوال ساعات العمل في انتظار طالب يأتي (وقد لا يأتي غالبًا) لاستعارة كتاب، إلى عضو فاعل ومؤثر في بناء الحالة الأدبية العامة، بل ويشتغل على أكثر نقاطها حساسية، وهي «التنشئة»، وصار شخصًا مقدرًا يُحتفى به كل عام أمام المئات. والأهم من ذلك أنه في نهاية كل دورة من الجائزة سيكون هناك عدد محدد من الفائزين، لكن في المقابل اشتغل مئات المتنافسين على تحسين مكتباتهم رغبةً في الفوز بالجائزة، فكان المنتصر الأخير هو الأدب بشكل عام.
بالمناسبة، كانت تجربة مشاركتي في «مهرجان طيران الإمارات للآداب» من أروع التجارب التي عايشتها، وربما لم أكن سأحظى بهذه الفرصة لولا فوزي السنة التي سبقتها بجائزة الشيخ زايد، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية.
الأبواب التي تفتحها الجائزة
بعد شهور من فوزي بجائزة الشيخ زايد، التقيت بفريق عمل الجائزة والقائمين عليها مرة أخرى، وكان من ضمن ما سألوني عنه هو ما آل إليه وضعي بعد الفوز، فأجبتهم بأن قيمة الجائزة بذاتها لا تعد شيئًا قياسًا بالأبواب التي فُتحت لي بعدها والأمور التي ارتبطت بتبعات الجائزة، وكان من أهمها مشاركتي في ندوة «أدب الطفل اليوم: أصوات من العالم العربي وألمانيا» في معرض فرانكفورت للكتاب، والتي كانت من تنظيم إدارة الجائزة نفسها.
إن حالة الانغلاق والقطيعة الجغرافية من أكبر الأزمات التي تواجه الأدب، بل وحتى مواقع التواصل الاجتماعي لم تسهم كثيرًا في تجاوزها.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن الحديث عن المهرجانات والندوات والمؤتمرات العالمية ليس من منطلق الفخر والاعتزاز، وكأنه مجرد معلومة تضيفها إلى سيرتك الذاتية حتى تزيد عدد أسطرها، بل المسألة في الواقع أهم وأبعد من ذلك بكثير، وهي مرتبطة بجوهر الفعل الأدبي، وأعني الحوار مع الآخر.
في كل فعالية تشارك بها ستجد نفسك بين عشرات، إن لم يكن مئات، الكتاب والأدباء من مختلف دول العالم: تحدثهم، تصغي إليهم، تحاورهم، تسمع همومهم، ترى العالم بأعينهم، تتعرف إلى آدابهم وفنونهم، تستكشف أفكارهم. قد يغنيك حوار مدته ساعة عن قراءة عشرات الكتب، وحين تسمع من الآخر بأذنيك، أمر مختلف من أن تسمع عنه. وهذا بالتحديد من أهم الأدوار التي تؤديها الجوائز الأدبية، فمهمتها لا تقتصر على اختيار الفائزين ومنحهم الأموال، وإنما الأهم من ذلك أن تلعب دور الجسر أو المنصة التي تقدم كتّابها للعالم، تعرفه إليهم، وتستثمر فيهم.
إن حالة الانغلاق والقطيعة الجغرافية كانت من أكبر الأزمات التي تواجه الأدب، بل وحتى مواقع التواصل الاجتماعي لم تسهم كثيرًا في تجاوزها. فطوال العقود الماضية سادت فكرة المركزية الأدبية الموزعة بين مصر والعراق والشام، وكان من شبه المستحيل على أي كاتب من دول «الهامش» أن يخترق هذه الحدود ويقنع المتلقي العربي بقراءة نصه. لكن بفضل الجوائز الأدبية الجديدة صار العالم العربي يعرف أسماء كتاب ما كان ليعرفهم لولا هذه الجوائز.
قبل فوز سعود السنعوسي بالبوكر، من كان يتصور أن كاتبًا من الخليج سيحقق هذه المقروئية في مصر والعراق واليمن وبلاد المغرب؟ وهل كان القارئ الخليجي سيقرأ رواية إريترية لولا انتشار اسم حجي جابر؟
من المهم هنا أن أوضح أنني أتحدث عن الشق التسويقي والانتشار في الأدب، وليس الجانب الفني للعمل نفسه. بمعنى آخر: قد تكون الرواية ذات قيمة فنية وأدبية عالية تجعلها تستحق أن تقرأ من قبل الملايين، لكن كيف ستصل إلى الملايين لو لم يعرف أحد هذا الكاتب؟ ولن يتطلب الأمر أكثر من نظرة سريعة على موقع «غودريدز» لنفهم هذه الفكرة.
أما الباب الثاني من الأبواب التي تفتحها الجائزة فهو الترجمة، ولا شك أنه لا يقل أهمية عن سابقه إن لم يفقها. ويبدو لي أن هذه النقطة من البداهة بحيث لا أحتاج للتفصيل فيها وتبيين مدى أهميتها على الأدب بشكل عام، منذ نشأته تاريخيًا وحتى اليوم. لكن من الجدير بالذكر أن العديد من الجوائز تلعب دور الوسيط بين دور النشر العالمية وناشري الكتب الفائزة لتسهيل عمليات الترجمة، بل والأهم من ذلك أنها تسهم بدعم مالي يغطي نسبة كبيرة من تكاليف الترجمة.
الجانب الثالث مرتبط كذلك بتعريف القراء إلى الكاتب لكن من زاوية مختلفة، ففوز كاتب ما بإحدى الجوائز لن يعرف القراء إلى كتابه الفائز فحسب، بل سيعمل أيضًا كرافعة لبقية كتبه (إن كانت له إصدارات سابقة)، والتي قد تكون لا تقل أهمية أو جودة عن الكتاب الفائز، لكنها لم تحقق مقروئية.
القيمة المادية للجوائز
قد تكون المعضلة الأكبر التي تواجه الكاتب العربي اليوم هي معضلة الوقت الذي تتطلبه الكتابة مقابل الدخل الذي تحققه. ربما تستغرق كتابة رواية سنة كاملة، لمدة خمس ساعات يوميًا، هذا إذا لم نحتسب الساعات التي تحتاجها للقراءة والبحث والاطلاع. وفي الأخير يحصل الكاتب على نسبة 10% من مبيعات الكتاب، التي يبلغ متوسط الطبعة فيها 10000 دولار. المحصلة ألف دولار، وهو مبلغ لا يغطي حتى سعر الكمبيوتر الذي نحتاجه للكتابة. ألف دولار مقابل جهد سنة كاملة كان يستطيع المرء أن يعمل خلالها بأي وظيفة أخرى ويحصد هذا المبلغ في أقل من شهر، ولو تكلمنا عن الكاتب الخليجي فألف دولار هي مصروفه لأسبوع واحد.
في بداية مسيرتي المهنية عملت بوظيفة دخلها الشهري يعادل الخمسة آلاف دولار. لكن بعد أقل من سنة وجدت أن هذه الوظيفة بدأت تبعدني عن الأدب وتحرمني من الوقت الذي أحتاجه للقراءة والبحوث والكتابة. قررت الاستقالة والعمل بمهنة قريبة من المجال الأدبي في قطاع أحبه ويمنحني الوقت والجهد الذي أحتاجه للبحث والكتابة، وكانت النتيجة أن أفلست وتراكمت عليَّ الديون بعد بضعة أشهر، فاضطررت إلى العودة للعمل ساعات طويلة حتى أوفر لقمة عيشي. في تلك المرحلة ربحت جائزة الشيخ زايد التي انتشلتني، فسددت ديوني واستقلت من وظيفتي وعدت للعمل مرة أخرى في مشروعات شخصية مرتبطة بالمجال الذي أحبه، لكن هذه المرة على أرضية ثابتة وباستقرار وأمان ماديين.
يغفل الكثيرون أن هذه الجوائز التي تُمنح للكتاب تستفيد منها حتى دور النشر، إضافة للجوائز المخصصة أصلًا لدور النشر. فالعديد من الدور، وبموجب عقد موقع بينها وبين الكاتب، تحصل على نسبة معينة من الجائزة. وقد لاحظت «بيفرلي ليون كلارك» في دراستها عن مؤسسات أدب الأطفال في أمريكا أن «منح مثل هذه الجوائز يمكن أن يؤدي إلى مبيعات تصل إلى الآلاف، وجعل بعض الكتب دعائم للطابعين، تستخدم للإعارة في المكتبات العامة والتدريس في المدارس».
وماذا عن من لم يفز بجائزة؟
قد يؤيدني البعض في أهمية كل هذه الفوائد التي تعود على الكاتب الفائز وعلى منجزه الأدبي، لكنهم قد يتساءلون: وماذا على الكاتب الذي لم يفز بجائزة؟ ما ذنبه أن يحرم من المشاركة في المؤتمرات والندوات؟ ولماذا يظل اسمه في الظل وقد لا يقرأه أحد إلى الأبد رغم جودة نتاجه؟ ولماذا لا تترجم أعماله ويعرفه القراء من مختلف أرجاء العالم؟ وإذا استطعت أنت التفرغ للكتابة، فماذا عليه أن يفعل كي يحظى بما لديك؟
إن طرح هذه التساؤلات يفترض أساسًا وجود مشكلة لدينا في تغطية كل هذه الجوانب، وهذه المشكلة نستطيع أن نختصرها في نقطتين: الدعم والتسويق.
أما الدعم فهو من اختصاص الدولة ومؤسساتها المعنية بالثقافة والفنون والآداب، ولا شك أنه في معظم الدول العربية دخلت هذه المؤسسات في مرحلة الاحتضار، مما ضاعف مسؤولية المؤسسات الأهلية والتي ليست قادرة نهائيًا على تغطية تكاليف هذه الصناعة. فبالإضافة إلى تكاليف طباعة الكتب وما يصاحبها من حقوق النشر، وحقوق الترجمة، وحقوق الكاتب، وحقوق الرسام والمصمم بالنسبة لكتب الطفل، لدينا تكاليف تنظيم الفعاليات والندوات والمؤتمرات وما يصاحبها من مصاريف تشغيلية وإعلامية، وتكلفة التذاكر والسكن في حال استضافة أدباء من دول أخرى، وما إلى ذلك. والمجال الأدبي ليس مجالًا ربحيًا بطبعه، لذلك فهو يتطلب ميزانية تُصرف مع عدم توقع عائد في مقابلها.
الكاتب يكتب فقط لأجل الكتابة، بمجرد أن يأخذ خطوة أخرى نحو نشر أعماله فهو هنا في مرحلة مختلفة لها غايتها الخاصة بها، وهي أن يُقرأ.
وأما التسويق فهو من اختصاص دور النشر والموزعين والمكتبات، والذين غالبًا ما يميلون إلى تسويق الكتب التجارية أو الكتب المترجمة (والتي كلفتهم كثيرًا) على حساب بذل جهد مضاعف لإشهار كاتب صاعد أو مغمور رغم إيمانهم بجودة منتجه، مما يؤدي بالكاتب في نهاية المطاف إلى محاولة تسويق كتابه بنفسه، وهو أمر رغم شيوعه مؤخرًا، فإنه يبقى ثقيلًا على نفس الكاتب وهو يشعر أنه يعامل منتجه الفكري معاملة أي منتج استهلاكي آخر في السوق، وكأنه يستجدي القراء شراءه.
لذلك، نعم، لسنا ننكر وجود قصور أدى إلى خلل واضح ضحيته الأكبر هو الكاتب. والجوائز ليست هي المتهمة أو المسببة لهذا القصور، إنما هي جاءت في الواقع لتحل جزءًا من هذه الأزمة وتغطيها. ونعم، في الأخير هناك رابحون، لكن ليس هناك خاسر. من لم يفز بالجائزة لم يفقد شيئًا كان يملكه، إنما الفائز هو الذي كسب أشياء كان ينبغي أن يحصل عليها بطرق أخرى لولا تقصير الجهات المعنية فيها.
ثمة آراء متداولة في هذا الخصوص، من قبيل: «وكيف افترضنا أن هذه الفوائد ذات قيمة للكتاب؟ ومن قال إن الكاتب يهمه أن يصل إلى أكبر حيز من القراء، أو أن يشارك في ندوة أو أمسية، أو يظهر في مؤتمر، أو تترجم أعماله؟ الكاتب يكتب فقط من أجل الكتابة...»، وهذا أيضًا واحد مما أراه أكبر هراء للمثقفين الذي كثيرًا ما يتكرر.
علينا بدايةً أن نفرق بين فعل الكتابة وفعل النشر. صحيح، الكاتب يكتب فقط لأجل الكتابة، لكن هذا الفعل ينتهي لحظة انتهاء الكتابة. أما بمجرد أن يأخذ خطوة أخرى نحو نشر أعماله فهو هنا في مرحلة مختلفة عن الأولى، وهذه المرحلة لها غايتها الخاصة بها، وهي أن يُقرأ.
في كتابه «اعترافات روائي ناشئ»، يقول «أمبرتو إيكو»: «لا أنتمي إلى زمرة الكتاب الرديئين الذين يزعمون أنهم لا يكتبون إلا لأنفسهم. فما يكتبه كاتب لنفسه هو فقط لائحة المشتريات التي يلقي بها أرضًا بعد شراء أغراضه. أما ما يبقى – بما في ذلك لائحة الملابس المعدة للغسيل – فهي رسائل موجهة إلى شخص آخر».
إننا حين نتحدث، نريد من الآخر أن يصغي لنا. حين نوضح رأينا، نتوقع من الآخر أن يفهمه. حين نؤمن بفكرة ونظنها صحيحة وقد تساعد غيرنا، فمن الطبيعي أن نتمنى انتشارها ووصولها إلى أكبر قدر من الناس. وإن كنا لا نريد أيًا من ذلك، فلا بأس بأن نلتزم الصمت.
بعيدًا عن التنظير، ومن واقع تجربتي وعلاقاتي بالكثير من الكتاب، معظم من يتبنى هذه الآراء تراه أول من يسرع إلى ندوة ما أن يدعى إليها، وأكثر من يتذمر من مظلوميته وعدم تقديره، وأن العديد من الكتاب ممن هم دونه شأنًا يلقون رواجًا أكبر منه. عمومًا، وحتى لا نكون قمعيين، فهذا الرأي يبقى رأيًا محترمًا، وليس إجبارًا على أحد أن يشارك في الجوائز. إنها موجودة، هكذا، ومن يؤمن بأهميتها فليشارك فيها.
حسين المطوع