تغزل من الخيوط مواقف: لارا خوري.. مصممة أزياء لبنانية في طريقها إلى العالمية

دينا ظافر
نشر في 2017/04/06

الصورة: UN Women

التميز في عالم تصميم الأزياء تصنعه المهارة والإبداع والمثابرة، وتقدم المصممة اللبنانية الشابة لارا خوري نموذجًا ناجحًا لهذا التميز، إذ تحكي تصاميمها قصة أو تُعبِّر عن حالة تعيشها. المقص وماكينة الخياطة والأقمشة هي أدواتها التي تستخدمها لإثبات موقف أو إطلاق صرخة اعتراض، مستوحيةً أفكارها من أجواء بيروت وهويتها اللبنانية.

في مقابلة أجرتها مع موقع «Your Middle East»، تكشف خوري بعض جوانب شخصيتها وأسلوبها المميز في العمل.

التصميم في لبنان: تاريخ من التميُّز

 مشاهير ارتدين أزياء من تصميم اللبناني إيلي صعب

يحظى المصممون اللبنانيون بصيت واسع في العالم العربي، كما أفسحوا لأنفسهم مكانًا على خريطة تصميم الأزياء العالمية بشكل خاص منذ عام 2002، عندما ارتدت الممثلة الأمريكية هالي بيري فستانًا خمريًّا يحمل توقيع مصمم الأزياء اللبناني العالمي إيلي صعب، لتصبح أول نجمة ترتدي فستانًا لمصمم لبناني في حفل توزيع جوائز الأوسكار.

اليوم، بات عاديًّا أن ترتدي مطربة بشهرة جنيفر لوبيز فساتين لمصممين لبنانيين، مثل زهير مراد أو ريم عكرا، كما انضمت الممثلة الأمريكية كيري واشنطن إلى قائمة عملاء صعب، ويبدو أن خوري ستلحق بركب المصممين اللبنانيين العالميين عمَّا قريب.

لارا خوري: أزياء للجميع

 ماذا يرى المقربون من لارا خوري فيها؟

لارا خوري مصممة شابة في أوائل الثلاثينيات من العمر، لها طلَّة ذات جاذبية خاصة وتميزها قصَّة شعر جريئة، وهي خمرية البشرة ولها عينان واسعتان، ويشعُّ وجهها بابتسامة أخَّاذة فيها من الغموض ما فيها.

خوري نجمة جيل متنوع من صُنَّاع الأزياء الشباب في لبنان، وهو جيل حافل بالمصممات النساء. تقدم المصممة اللبنانية أزياءها للسوق المحلي، وكذلك إلى جمهور متزايد في المنطقة العربية والعالم. وعكس صعب وغيره من المصممين الذين يُفضِّلون تصميم الأزياء الراقية حسب قياسات شخص بعينه، تتخصص خوري في تصميم الملابس الجاهزة التي يمكن أن تناسب الجميع.

تخرجت لارا في معهد «ESMOD» الفرنسي لتلتحق بالعمل مع إيلي صعب، الذي تعلمت منه النظام وفنون الإدارة، ثم ابتسم لها الحظ حينما انضمت إلى مؤسسة «ستارش»، التي تهدف إلى تنمية قدرات المصممين الشباب وتسويق منتجاتهم، وصارت عضوة في فريق من المصممين الشباب بقيادة المصمم اللبناني ربيع كيروز.

اعتبرت خوري هذه المسؤولية الجديدة تحديًا آخر لمهاراتها، فجاءت انطلاقتها الحقيقية في عالم تصميم الملابس الجاهزة عندما عرضت الأزياء التي تحمل توقيعها للمرة الأولى في بوتيك «ستارش» وسط بيروت.

وفي طيَّات تصاميمها رسالة

مجموعة تصميمات لارا خوري «بيروت»

تتميز خوري بالتفرُّد والجرأة، فهي تجرب قصَّات جديدة تتحدى الشكل المعتاد للزي النسائي باستمرار، ولا تخلو تصاميمها غير المألوفة رغم ذلك من لمحة أنثوية.

تقول خوري إن كل مجموعة أزياء تصممها تحمل رسالة معينة، ويمكن لأي شخص في العالم أن يرتديها ويجدها مناسبة، فهي لا تصمم للسوق اللبناني فقط، خصوصًا في ظل العولمة التي جعلت الأذواق متشابهة.

يمكن للبنانيين أن يشتروا ما يحبون من مشغل خوري، كما يستطيع المتسوقون من أي بقعة في العالم أن يشتروا ما يروقهم من تصاميمها عبر الإنترنت.

في المقابلة، تؤكد لارا خوري أن حسابات الربحية والتركيز على إرضاء المستهلكين أمور لا تشغلها، فهي تحب ما تفعله ولا يهمها سوى الإبداع فيه، كما أنها ليست على استعداد لتقديم تنازلات في سبيل إرضاء عميل بعينه.

ومصداقًا لذلك، أطلقت خوري في خريف 2012 مجموعة أزياء بعنوان «Gluttony» (الشَّرَه)، سعت عن طريقها إلى انتقاد جشع المجتمع، معتبرة أن الطمع هو «شهوة هذا الزمن»، فاستخدمت الأقمشة بسخاء وجاءت تصميماتها فضفاضة على نحو ملحوظ.

فيما بعد، أطلقت مجموعة أخرى تحت اسم «S-he» (هي)، رغبةً منها في الاعتراض على ما اعتبرته نظرة سلبية إلى المرأة في المجتمعات العربية، ومزجت في هذه التصاميم بين التفاصيل الرجالية والنسائية كوسيلة للتعبير عن المساواة بين الرجل والمرأة.

أما في خريف 2016، فصمَّمت لارا مجموعة من الأزياء حملت اسم «بيروت»، طغى عليها اللون الأسود تعبيرًا عن حزنها على حال العاصمة اللبنانية، فالأسود هو «لون اليأس، ولون القلوب في حدادها، وهو لون أكياس القمامة، أزمة بيروت»، كما تقول.

تؤكد خوري أنها تجد صوتها في الأزياء، فمن خلال التصاميم التي ترسمها وتنفذها تُعبِّر عمَّا يجيش في صدرها ويدور برأسها.

أزياء لا تُميِّز بين الأديان

 كيف تتعامل المرأة السعودية مع الموضة؟

ينتمي زبائن لارا خوري إلى الطبقة العليا من المجتمع، أولئك الذين حصلوا على تعليم جيد وسافروا هنا وهناك، ويهتمون بصورتهم وهيأتهم أمام الناس، ولهذا يسعون إلى اقتناء أزياء فريدة تعبِّر عن ذلك التميُّز، ولا فرق إن كانوا ينتمون إلى هذا الدين أو غيره، حسبما تشير المصممة اللبنانية.

في عام 2014، حاول معهد تابع لجامعة ميشيغان الأمريكية الإجابة على سؤال: «ما الزي المناسب للمرأة المسلمة خارج المنزل؟»، فأجرى مسحًا على مواطنين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، هي تونس ومصر وتركيا والعراق ولبنان وباكستان والسعودية.

كشف المسح وجود تفاوت كبير، فبينما قال ما يقرب من نصف اللبنانيين إنه يمكن للمرأة أن تكشف شعرها في الخارج، كان هذا رأي 3% فقط من السعوديين و4% من المصريين. ورغم أن النتائج تفضح انحياز المصريين والسعوديين إلى الأزياء المحافظة، فإن خوري تؤكد أن لديها قاعدة عريضة من العملاء في المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج.

ترى خوري أنه لا ينبغي إجبار المرأة على تغطية وجهها وعينيها وكامل جسمها، لما يمثله ذلك من حجب لشخصيتها، لكنها لا ترى مع ذلك ما يمنع التوفيق بين أزيائها والحجاب، وتقول إن الكثير من عميلاتها في العالم العربي يرتدين تصاميمها مع الحجاب.

غريبة في مجتمع يحب الأنوثة

لارا خوري - الصورة: UN Women

يختلف مفهوم الجمال عند لارا خوري كثيرًا عنه في المجتمع اللبناني، الذي يراه في الشعر الطويل والشِّفاه الممتلئة والقوام الملفوف، أما هي فتراه ينبع من الداخل ولا ينبغي أن ينحصر في الملامح الجسمانية.

تنتمي وجهة نظر خوري إلى الأقلية، إذ تشير رسالة ماجستير صدرت من الجامعة الأمريكية في بيروت إلى أن واحدة على الأقل من كل ثلاث سيدات لبنانيات خضعت لعملية تجميل، وقد ترتفع النسبة بين مجتمع السيدات الأكثر ثراءً في بيروت.

يعوِّل اللبنانيون كثيرًا على المظهر ويعتبرونه جزءًا مهمًّا من شخصياتهم، فهم يشعرون باستمرار أنهم تحت المراقبة، وهو ما يضعهم تحت ضغط دائم، حسبما ذكرت خوري في المقابلة.

في مجتمع يُفضِّل المرأة ذات الملامح الأنثوية الصارخة، يبدو شعر خوري القصير وبساطة زيها غريبًا، لكنها لا تجده كذلك، فكما تلعب بأطوال الأقمشة وأحجامها، اختارت أن تجرب تلك القَصَّة المختلفة. بالنسبة إليها، يمثل شعرها القصير اختيارًا، فقد تختار الفتاة أن ترتدي نظارة شمس أو قرطًا، وقد لا تختار ذلك.

حلقت خوري شعرها للمرة الأولى حين كانت طالبة في المدرسة، وأصيب جميع معارفها عندئذ بالصدمة وظنوا أنها تعاني مرضًا ما، بل كان بعض الأغراب يستوقفونها أحيانًا للسؤال عن سبب قصِّها شعرها بهذا الشكل. تحولت قَصَّة شعر لارا خوري إلى علامة مميزة، فأصبحت تُعرف بـ«المصممة الصلعاء»، كما صارت نموذجًا يثير الفضول ويحث الفتيات على تقليده.

رسالة لارا خوري في ربيع 2017

الصورة: UN Women

استخدمت لارا خوري الخيوط والأقمشة كعادتها لغزل رسالة جديدة وفريدة إلى جمهور متعطش لإنتاجها الجديد، فهي تملك القدرة على تطويع فن تصميم الأزياء لحياكة ملابس تحمل رسالة بتوقيعها المميز، لذا خرجت مجموعة أزياء ربيع 2017 بنفس الطابع الجريء والمختلف، تحت اسم «Fountain» (نافورة) وقد استوحت تصاميمها من كتاب «The Fountainhead»، الذي يحكي قصة مهندس معماري طموح يصر على تنفيذ رؤيته الخاصة رغم تحدي مجتمع محافظ يرفض التجديد.

تتحدى لارا خوري القيود المجتمعية التي تصب الجمال الأنثوي في قوالب جاهزة، ويمثل مظهرها نفسه تحديًا للشكل الأنثوي الذي يلحُّ عليه المجتمع. ولا تنسى خوري أن تبعث برسائلها إلى المجتمع الذي تعيش فيه، منتقدة ما فيه من شَرَه مرة، ومعبرة عن غضبها من رغبته في كبت الإبداع مرة أخرى، فتصميم الأزياء عندها مزيج من حرية الفكر والإبداع.

دينا ظافر