لماذا تهمش الدراما الكويتية بعض القضايا وفئات المجتمع؟
المجتمع الكويتي مجتمع إثني متنوع، مكون من عدة مكونات اجتماعية مختلفة الأصول والجذور والديانات والطوائف، طيف من الألوان لم تعْدل بينها قوانين البلاد، ولا الدراما الكويتية التي يرغب من خلالها بعض الكُتاب بطرح مشاكل وقضايا الإثنيات المهمشة، لكن رقابة المصنفات الفنية التابعة لوزارة الإعلام تمنع منعا باتًا كل طرح عقلاني لأي قضية إنسانية، بحجة «ممنوع عرض غسيلنا للخارج».
البدون واللي يفهم يفهم
تعرض رواية «ساق البامبو» للكويتي سعود السنعوسي قضية أحد الشباب البدون المنتسبين للجيش الكويتي، والذي يشارك في حرب تحرير الكويت وما بعد التحرير، فينال جزاء سنمار ويُفصل من عمله، هذا في الرواية التي حازت على جائزة البوكر العربية.
حين تحول العمل في عام 2016 إلى مسلسل تلفزيوني بنفس الاسم من بطولة سعاد عبد الله، جسد الفنان الموهوب فيصل العميري دور الشاب البدون لكن دون الإشارة لكونه «بدون»، لأن الرقابة نزعت الجمل الحوارية التي تشير إلى هويته ومعاناته الإنسانية.
أذكر في هذا الصدد في حوار سعاد مع فيصل في المسلسل، حين تعترض على علاقة الحب بين فيصل البدون مع ابنتها فاطمة الصفي، وتهينه بالإشارة لوثيقة على أن هذا هدفه وليس حب ابنتها، إشارة فنية و«يفهم اللي يفهم، وإلا انشالله عنه محد فهم».
لماذا لا يمكن أن تطرح الدراما معاناة أسر البدون، وانعدام التعليم والصحة والفقر المدقع، والتضييق الحكومي عليهم؟ فحتى الحساب البنكي ممنوع عليهم امتلاكه، وإن درس أطفالهم حتى بعد حصولهم على شهادات تربية أو طب على نفقة العائلة، لا يجدون وظائف في المدارس ومستشفيات الحكومة.
المرأة: السيطرة والمعاناة
تشغل المرأة غالبًا دور السنيد للبطل في الأعمال المسرحية، فيما تحتل المرأة/الممثلة واجهة الصدارة والبطولات في المسلسلات الكويتية مثل سعاد عبد الله وحياة الفهد وهدى حسين، وفي السنوات الأخيرة إلهام الفضالة وهيا عبد السلام.
هذا مرغوب جدًا في محطات الخليج الفضائية، إم بي سي وأبو ظبي ودبي وغيرها، التي تتسابق لشراء هذه الأعمال للعرض الأول وتحصد أعلى المشاهدات. وبحكم أن وضع المرأة وقصصها و أحلامها أو حتى تفاهاتها موضوع شائق في الخليج، الذي يريد معرفة وضع المجتمع الكويتي في ظل شبه انعدام لطرح أوضاع المرأة، تسعى شركات الإنتاج لإشراك أكبر عدد ممكن الممثلات باختلاف الأعمار في المسلسل الواحد.
لكن إلى أي حد استطاعت النجمات الكويتيات التعبير عن القضايا النسوية، بكل ما فيها من حراك مجتمعي في الدراسات العليا والعمل والحياة؟
لا بد من الإشارة إلى التاريخ الفني النسبي عن وضع المرأة في الدراما الكويتية، ففي مسلسل «درس خصوصي» الذي أنتج عام 1981، تلتحق سعاد عبد الله بالعمل، وهي قيمة مرتبطة بنهضة الستينيات والسبعينيات حين فتحت أبواب العمل أمام المرأة الكويتية.
في «درس خصوصي»، العمل هو المكان الذي تجري فيه الأحداث، فهل نعرف جهود المرأة وكيفية تقدير رؤسائها لكفاءتها العلمية والمهنية واجتهادها، وحصولها على نفس المرتب والمزايا أسوة بالرجل؟ هذا غير وارد، بل يركز المسلسل على قصة الحب بين سعاد عبد الله وعبد الحسين عبد الرضا.
في مرحلة لاحقة في مسلسل «خالتي قماشة» الذي تتصدر بطولته حياة الفهد، المرأة المسيطرة على حياة أولادها الذكور البالغين مسلوبي الشخصية، نرى هذا التسلط يجري على زوجات الأبناء، فتحيل قماشة حياتهم لجحيم يومي، وقد نجح العمل نجاحًا غير مسبوق، وأظهر أن المرأة حين تملك القدرة والإدارة تصير كائنا شريرًا.
وحين جنحت حياة الفهد بعدها إلى المسلسلات التراثية، نجدها مرة حفافة أو خياطة تكشف أسرار البيوت، ومرة أُمًا متسلطة على الأولاد.
أما هدى حسين فتميل للقصص الغامضة التى تعتمد على تحولات النفس، مثل «غصون في الوحل» و«إقبال يوم أقبلت»، وكانت في عملها الناجح «كف ودفوف» صاحبة فرقة شعبية تؤمن بالزار والغيبيات.
لنعود الى دور المرأة في تاريخ الدراما الحديث، ففي مسلسل «من شارع الهرم إلى..»، نجد هدى حسين في دور الطبيبة الناجحة في عملها، لديها عائلة كبيرة من خمسة أبناء كلهم أطباء تسيطر عليهم تمامًا وتقرر مصائرهم كما في مسلسل خالتي قماشة، ونجدهم كلهم بوجه واحد يميل إلى الإجرام والغلط، وشخصيات غير سوية دراميًا، فكيف لأم ناجحة ومثقفة أن تنتج كل هذه العاهات المجرمة والمنحرفة؟
على صعيد آخر، فالتنظير و«اللوكلوك كتير» شعارات تسقطها بدون فعل درامي، مسيطرة أيضًا على زوجات الأبناء، الفتيات الجميلات المسلوبات القرار، والزوج الخائن الذي ينجب من امرأة أخرى، بينما تسطر الأم هدى الكثير من المقولات الجاهزة «صبري، مالج غيره، المرة تطوف لأغلاط زوجها، باچر يعقل، إلخ»، وهي مقولات جاهزة باردة أسقطها زمن الألفية الجديدة، فلماذا عليها تقبل الإهانات وإهدار الكرامة، وترد الزوجة صبر طيب ممسوخ المعنى والقيمة؟ عشرات القصص المهينة للمرأة في هذا المسلسل.
ماذا عن دور المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي؟ يطرح مسلسل «ثريا» بطولة سعاد عبد الله قصة المرأة الناضجة التى ترتبط بزوج غير كويتي، وما تعانيه من مقاطعة الأهل لها، ومشكلات حياتية أخرى.
في الحياة الواقعية لا توجد حقوق مدنية للمرأة الكويتية، مهما بلغت من العمر أو الحالة الصحية، لتقف في طابور طويل لتجديد إقامة أولادها البالغين كل عامين. وفي حالة وفاتها، فإن كانت تملك بيتًا من حر مالها، فلا يرث الأبناء منزل أمهم، بل يباع في مزاد علني.
هناك بعض السيدات الكويتيات اللاتي أجبرهن القانون على الطلاق من أزواجهن غير الكويتيين، ليستطعن ضم أولادهن لملف الجنسية الخاصة بهن، طالما كانوا تحت سن 18 عامًا، و«خلاص سيدخل اللجنة»، ثم تصحو اليوم التالي تعقد قرانها على أبو الأولاد ويعودون إلى الحياة في تبات ونبات دون إنجاب طفل جديد.
قوانين ترغمك على خداعها، بينما الرجل الكويتي يمنح الجنسية لزوجته الأجنبية حال إبداء رغبته، وتحصل عليها بعد سنوات، والمضحك أن القانون يشترط أن تكون الزوجة الأجنبية قد أنجبت ولدًا ذكرًا، لأنه لا اعتراف بوجود طفلة أنثى.
بعض الأزواج الكويتيين يَحرمون طليقاتهم الأجنبيات من الجنسية الكويتية، بمزاجه، وتحصل على الإقامة كونها أمًا لأطفال كويتيين. قوانين عرجاء وعمياء تتعامل مع آلاف الجنسيات في مجتمع صغير لا يزيد عن مليون ونصف نسمة.
ماذا عن المرأة الكويتية المطلقة، هل تحصل على منزل يكرمها في عمرها الآتي؟ تحصل على حق الحضانة من المحكمة حتى يبلغ أصغر أبنائها سن الواحد وعشرين، بعدها يحتم عليها القانون ترك البيت لتقيم في الشارع، أو قد تتمكن من استئجار شقة من مالها الخاص.
سألتُ وزير الإسكان السابق بدر الحميدي مرة: لماذا لا يحق للمرأة الكويتية الحصول على سكن حكومي أسوة بالمواطن الكويتي، طالما أن الدستور منحهما نفس الحقوق والواجبات؟ قال لي: «لكي لا نزيد نسبة الطلاق»، وأضاف: «لكنني حفظت كرامتهن بمنحهن شقة بالإيجار في مجمع صباح السالم للمطلقات».
حسنًا يا معالي الوزير، هذه القوانين لن تمنع الطلاق طالما استحالت الحياة بين الزوجين، وهناك مئات الشقق التي تسكن فيها المطلقات وتدفع من حر مالها للإيجار، بينما مجمع المطلقات الإسكاني عار على جبين وزارة الإسكان. هل فكر أحدهم في أثر ذلك على نفسية الأطفال ووالدتهم؟ كيف يرى مجتمعنا هذا التجمع السكاني المثير للشكوك الأخلاقية؟
هل المرأة وباء أو مرض كي تُفصل مع أطفالها في هذا المجمع السكني وكأنها ارتكبت جرمًا، بينما المواطن المطلق له بيت وزوجة محفوظي الكرامة؟
هذا القانون الإسكاني مخالف للدستور، هكذا قلت له، فلم يجب الوزير واكتفى بالقول: «هذا الموجود من قبل لا أصير وزير».
قضايا وقضايا وتهميشات
هل تناقش المسلسلات قضايا آلاف الشباب المحبط بسبب الأوضاع السياسية التي تعدم مشاركتهم في قرارات وطنهم المصيرية؟ ماذا عن انعدام حرية التعبير وزج البعض في السجون بسبب تغريدة تخالف رأي السلطة أو جهة ما؟ وما بعد السجن من فصل من العمل وانقطاع الرزق بسبب السجل الأمني، أليس هذا مشروع ولادة مجرم شاب في أول عمره؟
حسنًا.. هل تطرح الدراما المحلية الطقوس الدينية في الحسينيات التابعة لطائفة الشيعة؟ هذا ممنوع، وفي أحد مشاهد مسلسل «لا موسيقى في الأحمدي» المقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتبة منى الشمري، تؤدي الفنانة فاطمة الطباخ دور امرأة شيعية، تتحدث اللهجة الكويتية «مكسر وبدليات» مضحكة، وتنذر النذور في إحدى الحسينيات، هذا المشهد مكتوب في الرواية، بينما ألغته الرقابة من المسلسل، وكأن وجود الحسينيات ليس واقعًا اجتماعيًا له مواسمه وطقوسه ويعرفه جميع سكان كوكبنا.
واحدة من أكثر قضايا التهميش بروزًا في مجتمعنا هي العنصرية المتفشية بشكل خطير، والتي تبث سموم الكراهية تجاه الوافدين، مصريين أو هنودًا أو غيرهم من عشرات الجاليات التي تعمل بعَرقها، فتُلصق بهم الاتهامات باعتبارهم سبب مشاكل البلاد، دون الأخذ بأن القليل منهم ومنا بالطبع ليسوا ملائكة، وأننا لا نستطيع تعميم الشرور على جنسيات وافدة بكاملها.
ما هي قضايا الوافدين؟ مثلًا خذ عندك: المعلم الوافد يبذل نفس الجهد الذي يبذله المعلم المواطن، وأحيانًا يضاعف جهده في فترات غياب المدرس المواطن، فهل يحصل على نفس الراتب؟ طبعًا لا.
في معهد الفنون المسرحية بالكويت انتزع الأستاذ الكويتي حقوقه وصار له كادر مالي وإداري مرتفع أسوة بأساتذة الجامعة، بينما لم يطبق نظام الكادر على زميله المدرس الوافد الذي يبذل نفس الجهد، فيما يقبض نصف راتب الأستاذ الكويتي.
مشاكل الأطفال مثل الذين يتعرضون في مدارسهم لتلوث الأفكار بعضها ديني أو إرهابي بحسب المدرس، لا أحد يفكر في أثر ذلك على الطفل الذي سيحول حياة عائلته إلى جحيم، بسبب حشو رأسه الصغير تجاه شقيقاته ووالدته، نظرة كئيبة وسوداوية للفن والحياة.
هل تشير الدراما إلى التشرذم المجتمعي بين أبناء القبائل والعائلات والفئات والطوائف؟ هذا الإقصاء للآخَر يا جماعة ممنوع، فكل التهميش الذي يحصل هو فعل سياسي خبيث لشغل المجتمع بقضايا تافهة، ليعشش الفساد وتُسرق مقدرات البلاد ومستقبله.
ربما.. يعني نقول ربما، ظهور المنصات الخليجية المستقلة قد يعطي بعض البراح والحرية في التعبير لأنها بعيدة عن رقابة الحكومة، قد تشغل «نواب الفلَس» وبعض المتزمتين على اعتبار أننا مجتمع ملائكة شايل على جنبيه جناحين ترفرف فيه.
لكنها.. ستدور، كما قال العظيم غاليليو عام 1610.
ليلى أحمد