عنصرية هوليوود: أين قصص الحب بين البيض والسود في السينما؟

أندرو محسن
نشر في 2017/08/19

لقطة من فيلم «Guess Who's Coming to Dinner» - الصورة: Columbia Pictures Corporation

قبل خمسين عامًا، تحديدًا في 12 يونيو عام 1967، قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية في القضية المعروفة باسم «Loving v. Virginia» (لافينغ ضد ولاية فيرجينيا)، وأقر حكمها التاريخي قانونية الزواج المختلط في أمريكا نهائيًّا، أي زواج ذوي الأصول المختلفة مثل البيض والسود.

جاء هذا الحكم بعد أسبوعين من انتهاء تصوير فيلم عن الموضوع نفسه (الزواج المختلط)، «Guess Who’s Coming to Dinner» (خمِّن من سيأتي على العشاء)، الذي أصبح لاحقًا من كلاسيكيات السينما، ونال جائزتي أوسكار إلى جانب تحقيقه نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر.

في الحالات العادية، يصبح نجاح أي فيلم على الشاشة ضوءًا أخضر للاستوديوهات كي تصنع مزيدًا من الأفلام المشابهة التي تستغل نجاح موضوع أو شكل الفيلم، لكن هذا لم يحدث هنا لسبب قوي، انعكس على صناعة الأفلام الخاصة بنفس القضية منذ ذلك الحين وحتى الآن، بحسب ما يذكر مقال منشور على موقع «NPR».

الأبيض والأسود في زمن الأبيض والأسود

مشهد من فيلم «Show Boat»

كان لدى صناع السينما في هوليوود تحفظ على هذه القضية، ولم يكن نجاح الفيلم أو صدور الحكم السابق ليزيلا هذا التحفظ بين ليلة وضحاها، ولهذا لم تُقبِل السينما على صناعة الكثير من الأفلام عن قصص الحب والزواج بين الأشخاص ذوي الخلفية العرقية المختلفة.

لم تكن الأفلام الرومانسية التي تقدم هذا الشكل من قصص الحب جديدة تمامًا، فقد ظهر الكثير منها منذ عصر السينما الصامتة، لكنها في ذلك العصر كانت تقدَّم عادةً بشكل ساخر أو كئيب. مثلًا، الفيلم الصامت «Broken Blossoms» (البراعم المكسورة) قدم قصة حب بين مهاجر صيني وابنة رجل إنجليزي، لكن الفيلم انتهى بموت الشخصيتين.

أثرت القوانين العنصرية في عرض الأفلام التي تناولت قصص الحب المختلط، فامتنعت السينمات عن عرضها رغم حصول بعضها على تصريح.

في السينما الصامتة أيضًا جاء فيلم «The Bronze Bride» (العروس البرونزية)، الذي شهد زواج صياد أبيض من فتاة من سكان أمريكا الأصليين، وانتهى الفيلم كذلك نهاية غير سعيدة.

وفي فيلم «Show Boat» (المسرح العائم) ينتهي الفيلم بصورة سيئة على كل الشخصيات عدا جولي زوجة الممثل الرئيسي على المسرح، التي كانت ذات أصل مختلط. وفي حين تغني جولي في البداية تعبيرًا عن سعادتها وحبها لزوجها، ينتهي بها الفيلم سكرانة ووحيدة، تنظر بحزن إلى الأشخاص الذين تزوجوا من نفس جنسهم.

لم يكن هذا غريبًا على السينما آنذاك، إذ كان هناك قانون في عام 1930 عُرف بقانون «هايس»، نسبةً إلى واضعه «وِل إتش هايس»، رئيس جمعية «منتجي وموزعي الأفلام في أمريكا»، ونص هذا القانون بوضوح على منع العلاقات الجنسية بين البيض والسود في الأفلام، وبسبب عدم قانونية الزواج المختلط في 30 ولاية آنذاك، كان تجاوز قانون هايس يُعد تجاوزًا لقوانين هذه الولايات كذلك.

أثرت هذه القوانين بالطبع في فرص عرض الأفلام التي تناولت قصص الحب المختلط، فامتنع كثير من السينمات عن عرض «Show Boat» رغم حصوله على تصريح.

لكن صناع الأفلام كانت لديهم طرقهم للتحايل على هذه القوانين، إذا كانوا يجعلون ممثلين بيض يلعبون أدوار الشخصيات ذات الأصل المختلط أو المختلف، فأدت الممثلة البيضاء «هيلين مورغان» دور جولي،وهي شخصية من أصل إفريقي مختلط تتزوج رجلًا أبيض، في «Show Boat».

لم تكن السينما غير الأمريكية بنفس التشدد، لكن الممثلة الأمريكية ذات الأصول الإفريقية «جوزفين بيكر» انتقلت إلى باريس بسبب التعصب العرقي في أمريكا، وهناك صارت نجمة، فقدمت في عام 1935 فيلم «Princess Tam Tam»، الذي لعبت فيه دور امرأة تونسية هي مصدر إلهام روائي فرنسي، وعُرض الفيلم في أمريكا في سينمات مخصصة للسود فقط.

محاولات التمرد

خطبة فيلم «Guess who's coming to dinner»

ظهرت أول قبلة بين رجل وامرأة من جنسين مختلفين على شاشة السينما عام 1957.

أعيد مراجعة قانون هايس في 1956، وأُسقِط الشرط العرقي السابق، ممَّا سمح بظهور فيلم «The World, the Flesh, and the Devil» (العالَم والجسد والشيطان)، الذي يدور في أجواء خيال علمية عن كارثة نووية تضرب الأرض ليتبقى شخصان فقط، يلعب دورهما «هاري بيلافونت» ذو الأصول الإفريقية و«إنغر ستيفنز»، ويتبادل الاثنان حوارًا لاذعًا في أحد مشاهد الفيلم، إذ تطلب ستيفنز من بيلافونت أن يكون صريحًا معها، فيخبرها أنه حال إصرارها على ذلك سيكون صريحًا إلى حدٍّ قد يجرحها.

عندما تصر ينفجر في وجهها قائلًا: «إذا كنتِ حساسة للكلمات فأنا مُلوَّن، وإذا أردتِ الحقيقة فأنا نيجرو (Negro/زنجي)، أما إذا كنتِ مهذبة من الجنوب فسأكون (نيجرا)، وإذا لم تكوني مهذبة سأصبح (نيجر). منذ برهة قلتِ إنك حرة وبيضاء في الحادية والعشرين من عمرك، وبالنسبة إليكِ لم تعنِ هذه العبارة شيئًا، مجرد تعبير سمعتيه آلاف المرات، أما لي فكانت سكينًا تمزق أحشائي».

تحاول ستيفينز أن تعدل الصورة: «أنت رجل جيد ولطيف، ماذا لديك سوى ذلك لأعرفه؟»، فيجيب: «في العالم الذي أتينا منه لم تكوني لتعرفي هذا، وربما لم تكوني لتعرفينني أصلًا. لماذا يجب أن ينهار العالم حتى يظهر أخيرًا أنني جيد ولطيف، وأنه لا يوجد شيء سيئ فيَّ؟».

في الفيلم الإنجليزي «A Taste of Honey» (مذاق العسل)، تحمَل البطلة من بحار أسود وتقرر الاحتفاظ بالطفل، ثم يشهد فيلم «Island in the Sun» (جزيرة في الشمس) في 1957 أول قبلة مختلطة، بينما عُرض أهم أفلام تلك الفترة، «Guess Who's Coming to Dinner»، بعد ستة أشهر فقط من الحكم في قضية «لافينغ/Loving».

خطبة الممثل «سبنسر تريسي» في الفيلم وصلت إلى أكثر من 40 مليونًا شاهدوه في الصالات، ووجَّه تريسي حديثه في ذلك المشهد إلى بطلي الفيلم قائلًا:

«أي شخص يستطيع أن يرفع قضية ضد زواجكما، وقد تكون قضية قوية أيضًا، والادعاءات واضحة جدًّا ولا ضرورة لاختلاقها، لكنكما حبيبان رائعان، وقعا في الحب وصادف أن لديهما مشكلة في الألوان. في اعتقادي أننا الآن، بغض النظر عن أي قضية سيحركها أي وغد ضد زواجكما، أمام مشكلة أسوأ، هذه المشلكة هي أن لا تتزوجا في النهاية رغم شخصيتيكما وما تشعران به».

لكن بعد هذه الأفلام، وهذه الخطبة، هل انحلت العقدة؟

لم يحدث، إذ أمضت هوليوود القرن العشرين تحاول الاستفادة من نجاح هذا الفيلم وصناعة ما يليه، لكن الأمر كان ينتهي عادةً بعدم صناعة أفلام مشابهة.

الألوان أفضل كثيرًا

إعلان فيلم «Loving»

اتجه بعض المنتجين إلى صناعة أفلام تتعرض لقصص علاقات بين البيض والسود، لكن بعيدًا عن الحب والرومانسية، ويشير المقال إلى سلسلة «Lethal Weapon» كأحد أشهر الأمثلة، في حين شهدت تسعينيات القرن الماضي محاولات أكثر جرأة.

أقدم بعض المنتجين على استقدام ممثلين ملونين في أوج نجاحهم للعب دور في علاقة رومانسية مختلطة، مثلما حدث في الفيلم الشهير «The Bodyguard» (الحارس الشخصي)، بطولة «كيفن كوستنر» و«ويتني هيوستن»، وكانت شهرة الأبطال في هذه الحالة دافعًا ليشاهد الجمهور الفيلم.

كذلك قُدِّمت أفلام تطرح تناولًا مختلفًا لهذه القضية، مثل «Jungle Fever» (حُمَّى الغابة) للمخرج «سبايك لي»، و«The Watermelon Woman» (امرأة البطيخ)، الذي يحكي عن علاقة حب بين فتاتين من خلفيتين عرقيتين مختلفتين.

لكن بقيت المغامرة بخسارة بعض الجمهور الذي يفضل مشاهدة هذه الثنائيات على الشاشة حاجزًا يمنع هوليوود من المخاطرة بمزيد من الأفلام، لهذا شاهدنا «وِل سميث» و«دينزل واشنطون» يقدمان أفلامًا تكون شريكتهما فيها ليست ذات أصول أفريقية، بينما يمتنع ممثلون مثل «توم كروز» و«براد بِت»، واحتلت الأفلام التي اعتمدت على البطولة الجماعية للممثلين ذوي الأصول المختلطة مكانة طيبة في شباك التذاكر، مثل سلسلة «The Fast and the Furious».

شاهدنا محاولات للاستفادة من فكرة العنصرية والعلاقات العاطفية بين السود والبيض، مثل فيلم «Get Out» الذي عُرض في بداية 2017، ويدور في إطار من الرعب عن تلك النظرة التقليدية التي يرى بها المجتمع مثل هذا النوع من العلاقات، وكان الفيلم واحدًا من أنجح أفلام العام على المستوى الفني وكذلك شباك التذاكر.

نشاهد في 2017 أيضًا مزيدًا من هذه العلاقات متناثرةً في الأفلام، مثل الثنائي المختلط في نهاية فيلم «Beauty and the Beast» (الجميلة والوحش) بعد انكسار اللعنة، وعلاقة رومانسية مقتبسة عن قصة حقيقية بين رجل من أصول باكستانية وزوجته القوقازية في «The Big Sick».

يشير المقال إلى أن وجود هذه الأفلام حاليًّا يناسب اختلاف ذوق وفكر الجمهور، خصوصًا الشباب الذين يمثلون الشريحة الأكبر من مشاهدي السينما، إذ يدخل كثير من هؤلاء علاقات حب وزواج مختلطة، بحسب دراسة أجراها مركز «Pew Research» عن الزواج المختلط، أكدت أن نسبة هؤلاء في أمريكا وصلت إلى 17% عام 2015، بعد أن كانت 3% فقط في 1967، العام الذي أثيرت فيه قضية «لافينغ/Loving».

لم يكن غريبًا أن نشهد في العام 2016 عرض فيلم «Loving»، عن قصة الحب الأشهر بين الرجل والمرأة اللذين حركا القضية وأسهما في تغيير نظرة المجتمع، ثم السينما، إلى الارتباط بين الأجناس المختلطة.

أندرو محسن