20 عامًا على «هاري بوتر»: رواية الأطفال التي أثرت حتى في الكبار
بعد سبع سنوات من ابتكار الفكرة، وبعد أن طرقت أبواب كثير من دور النشر، أخيرًا تظهر الرواية إلى النور في 26 يونيو عام 1997 في بريطانيا. وفي حين كان أقصى طموح المؤلفة أن تحصل على مقابل جيد لتوفير نفقات أطفالها، لم تتوقع «جيه. كيه. رولنغ» أن روايتها «هاري بوتر» في سبيلها إلى تحقيق نجاح ساحق، لن يغير حياتها فحسب، بل سيترك أثره على العالم كله.
حمل الكتاب عنوان «هاري بوتر وحَجَر الفيلسوف»، وكان البداية لسلسلة امتدت لثمانِ روايات رئيسية، وعدد من الكتب الفرعية الأخرى التي تدور في نفس العالم.
يصعب قياس التأثير الحقيقي الذي تركته هذه الروايات، إذ أنها أثَّرت في ثقافة الناشرين وأدب الأطفال والأفلام المأخوذة عن أصل أدبي، وطالت مفهوم الأدب الشعبي عمومًا لتتحول إلى ظاهرة حقيقية، وتصبح شخصياتها مشهورة ومعروفة بدرجة ربما لم تحققها سوى شخصيات ديزني قديمًا.
يحاول مقال منشور على موقع «Vox» رصد تأثير روايات هاري بوتر في المجالات المختلفة بعد مرور 20 سنة على نشر الرواية الأولى.
قبل أن تقرأ الرواية
عشق القراء للرواية هو ما حولها من مجرد ظاهرة عابرة إلى نقطة تحول في تاريخ الأدب لجيل كامل.
حققت الرواية الأولى نجاحًا طيبًا إثر نشرها في إنجلترا، لكن النجاح الحقيقي كان بعد التعاقد لنشرها في أمريكا مع دار نشر «Scholastic»، وكان النجاح الأول لهاري بوتر ماديًّا، إذ اشترت دار النشر حقوق الرواية بمبلغ 105 آلاف دولار أمريكي، وهو ما كان يقترب من 10 أضعاف المبالغ المعروضة آنذاك، بل إن محرر دار النشر قال لاحقًا إنه كان على استعداد أن يدفع أكثر إذا تطلَّب الأمر.
ضَمِن هذا الرقم الكبير ميزتين للرواية: الأولى جذب وسائل الإعلام، فشراء رواية بهذا المبلغ كان جاذبًا للإعلام لتغطية الحدث ومعرفة السر وراء ارتفاع السعر، ممَّا وفر بالطبع دعاية مجانية لأول أجزاء هاري بوتر.
أما الميزة الثانية فكانت توفير ميزانية ضخمة للرواية، فبعد شرائها تأتي مرحلة البحث عن الربح، وعندما تشتري رواية بمبلغ 105 آلاف دولار، عليك أن تنفق عليها مبلغًا ضخمًا أيضًا في مراحل الطباعة والنشر والدعاية، إلى آخر هذه العملية.
أنفقت دار النشر ميزانيتها بذكاء وحرفية، بدايةً من الغلاف الذي طبعته على ورق مقوى (Hardcover) ولم تستخدم غلافًا ورقيًّا مثل المستخدم عادة مع كتب الأطفال، ثم اتفقت مع المكتبات الكبرى لتضع الرواية في مواقع عرض بارزة، بجانب الإعلان عن الرواية في جرائد ومجلات مميزة.
كانت الدعاية التي وفرتها دار النشر للرواية أكبر من الدعاية التقليدية التي يمكن أن تنفقها أي دار نشر على رواية أولى لكاتب مجهول. لكن كل هذه المدفوعات لم تكن لتأتِ بنتيجة لو لم يحب القراء الرواية بالفعل، فعشق القراء للرواية هو ما حولها من مجرد ظاهرة عابرة إلى نقطة تحول في تاريخ الأدب لجيل كامل.
رواية المراهقين التي عشقها الكبار
يشير المقال إلى دراسة منشورة عام 2012، وجدت أن نسبة 55% من قراء أدب المراهقين هم مِن البالغين، ويعود جزء كبير من هذا الرقم إلى روايات هاري بوتر، التي جذبت الأطفال والمراهقين والكبار على حد سواء، ولا يشعر الراشدون بأي حرج من قراءتها، إذ وجدوا كثيرًا من الأسباب للوقوع في غرام هاري بوتر.
قدمت رواية هاري بوتر عالمًا مختلفًا مليئًا بالتفاصيل الجذابة، فمن يبحث عن القراءة لأجل الاستمتاع بالأحداث سيجد كل ما يريده هنا.
مزجت الروايات بين الفانتازيا والسحر والشخصيات التي يسهل التفاعل معها، في وجود كثير من الألغاز الشيقة التي تشد القارئ وتثير فضوله لإكمال القصة. ولم تنس الكاتبة أن تعطي مدرسة السحر «هوغوورتس» الكثير من التفاصيل الجذابة، ليزداد القارئ توحدًا مع المكان الرئيسي لوقوع معظم الأحداث.
لم تكن هاري بوتر خالية من اللحظات الدرامية كذلك، كما قد يظن البعض في قصة للأطفال، بل تشمل أحداثها ارتباط بعض الشخصيات وموت بعضها الآخر، وكل هذه التفاصيل تجذب الكبار وتضمهم إلى جمهور الرواية.
هكذا قدمت رولنغ للقارئ رواية تحتوي على كثير من المشهيات، فإذا كان القارئ يبحث فقط عن اللغة الأدبية الرفيعة والأنيقة فربما لن يكون هاري بوتر هو اختياره، أما من يبحث عن القراءة لأجل الاستمتاع بالأحداث والانتقال إلى عالم مختلف مليء بالتفاصيل الجذابة، فسيجد كل ما يريده هنا.
أوقفوا هاري بوتر
بعض المهتمين بحقوق المثليين اتهموا رولنغ بأن روايتها لا تحتوي تنوعًا كافيًا في الشخصيات.
كل هذا النجاح لم يسلم من الهجوم بالطبع، إذ تدور الرواية بالكامل تقريبًا في عالم مُشبع بالسحر والتعاويذ العجيبة، ممَّا أدى إلى هجوم بعض المحافظين عليها والمطالبة بمنعها.
أدى ضغط بعض الآباء إلى منع الرواية من مجموعة من مكتبات المدارس، وفي عام 2000، وجدت «جمعية المكتبات الأمريكية» أن روايات هاري بوتر هي الأكثر تعرضًا للمنع، وظلت في مرتبة متقدمة لعدة سنوات لاحقة.
وصل الأمر في بعض الولايات إلى تحريك قضايا لمنع هاري بوتر، وكانت النتيجة منع الروايات من المكتبات المدرسية في هذه الولايات بحجة أنها تشجع على «دين المشعوذين»، وعلى من يَوَدُّ قراءتها من الشباب أن يحصل على إذن مكتوب من ولي أمره.
لم يتوقف الجدل عند السحر والشعوذة، ولم يأتِ من المحافظين وحدهم، لكن بعض المهتمين بحقوق المثليين اتهموا جيه. كيه. رولنغ أن روايتها لا تحتوي تنوعًا كافيًا في الشخصيات.
لكن كل هذه الهجمات لم تقلل من تأثير الروايات في الشباب أو الأطفال الذين قرؤوها، ووجدت دراسة حديثة أن قراء هاري بوتر ينشؤون أكثر انفتاحًا من غيرهم، وهو ما لا يرضي الآباء المحافظين بالطبع.
نقلة في عالم النشر
بالإضافة إلى كل هذه التأثيرات المختلفة، كان لسلسلة الروايات تأثيرها المباشر في أروقة صناعة الأدب والروايات الشعبية بالطبع، ويشير كاتبا المقال إلى نقطتين فقط من هذه التأثيرات:
1. أصبح بالإمكان صناعة روايات كبيرة الحجم للأطفال
قبل هاري بوتر، كان الآباء هم مَن يتحكمون في عملية شراء الكتب لأطفالهم، فلم يكن لديهم استعداد لدفع مبالغ إضافية للروايات الطويلة، لكن التأثير المتزايد للروايات سمح بازدياد حجم كل كتاب عن سابقه، ممَّا جعل الأجزاء الأخيرة تتجاوز 700 صفحة في بعض طبعاتها.
شجع هذا المزيد من الكُتَّاب ودور النشر على تقديم أعمال ذات حجم كبير للمراهقين، وازدادت هذه الأعمال بدرجة ملحوظة بين عامي 2006 و2016، أي بعد ازدهار سلسلة هاري بوتر، فوصل متوسط عدد صفحات كتب الأطفال في 2016 إلى 290 صفحة بعد أن كان 174.5 صفحة في 2006.
2. عودة الإقبال على أدب الأطفال
قبل هاري بوتر كان هناك تراجع في شراء روايات الأطفال، وبدا واضحًا أن الجيل الجديد لا يقرأ، لكن كل هذا تغير بعد هاري بوتر، ولم يكن الأمر يخص هذه الروايات فقط، بل أصبح هناك إقبال على أدب الأطفال عمومًا، وارتفعت معدلات شراء قصص الأطفال بنسبة 2% عن الفترة السابقة لهاري بوتر.
أثرت روايات جيه. كيه. رولنغ في معدلات القراءة لدى جيل كامل، فأصبح مقبلًا على الكتب، وهو ما لفت أنظار استوديوهات هوليوود، فبدأت تنتبه إلى روايات الأطفال والمراهقين، لتحول هاري بوتر أولًا إلى سلسلة أفلام، ثم تلحقه بعدد آخر من روايات المراهقين، مثل «Twilight» و«The Hunger Games»، وصارت الأفلام المأخوذة عن هذه الروايات ضيفًا سنويًّا في السينما.
ليست تجربة فردية
مع تنامي عدد قراء السلسلة، صارت هناك رغبة في خلق مجتمع لمحبي هاري بوتر، ولم يعد القارئ يكتفي بإنهاء الرواية وحده، بل يرغب في النقاش حول تفاصيلها مع قراء آخرين، وبناء النظريات واختيار الشخصيات المفضلة والسيئة، ولم يعد ممكنًا أن تكون قراءة هاري بوتر تجربة فردية.
سمح تزايد استخدام الإنترنت وقت ظهور الروايات بإنشاء مثل هذا المجتمع. ورغم غياب فيسبوك، وجد القراء كثيرًا من وسائل التواصل أشهرها المنتديات، التي صنعت مجتمعات خاصة بهاري بوتر ومهاويسه (Geeks) في معظم أنحاء العالم تقريبًا.
سعى قراء هاري بوتر إلى نقل تفاصيل الرواية للواقع، فأقاموا بطولة جامعية للعبة «الكويديتش» التي كانت في الرواية.
لم يسلم الأمر من بعض الهجوم بالطبع، واتهام قراء هاري بوتر من الكبار سنًّا بأنهم يرغبون في العودة إلى الطفولة، لكن كل هذا لم يؤثر في مجتمعات القراء التي كانت نشأت وتأسست بالفعل، وصارت الروايات الخيالية مؤثرة بدرجة لا يمكن تجاهلها في الثقافة العامة.
أسهَم في ازدياد عدد المهووسين بالسلسلة ظهور الأفلام، ومرة أخرى أسس هاري بوتر قاعدة جديدة لهؤلاء المهاويس، وأصبح الأمر أسهل في التقبل مع ظهور روايات «Twilight» ومتابعيها لاحقًا.
لم يتوقف الأمر عند النقاشات على الإنترنت، بل سعى القراء إلى نقل تفاصيل الرواية إلى الواقع، وكان أشهر هذه المحاولات إقامة بطولة جامعية للعبة «الكويديتش» التي اخترعتها الرواية، ولا يزال هذا الدوري يقام سنويًّا.
كل هذا لم يكن ليحدث لو لم تكن الروايات نفسها مميزة، كي تجذب القراء للتمسك بها وانتظارها وبناء كل هذه العوالم والتفاصيل المأخوذة منها، ولا يمكن للتسويق الجيد وحده أن يصنع كل هذا، حتى وإن أسهم بالطبع في انتشار الروايات، فإنه سيعجز عن جعل هاري بوتر وعالمه يستمران بالتأثير حتى بعد انتهاء صدورها، ومرور 20 سنة على إصدار جزئها الأول. لا يكمُن السر إذًا في التسويق، بل في السحر.
أندرو محسن