الفن التاسع: تجربة الكوميكس العربية من سمير وسندباد إلى السمندل وتوك توك
ليس فن «الكوميكس» أو القصص المصورة جديدًا علينا، ربما تعرفنا إليه خلال طفولتنا بشكل مختلف، واستوردناه من أوروبا وأمريكا، ولم يكن عربيًّا بنسبة 100%، لكنه ساعدنا على تطوير خيالنا وشكَّل ذكرى لفترة معينة في حياتنا.
بالتوازي مع ذلك، ظهرت قصص ومجلات مصورة للكبار في بلدان مختلفة وتوقفت بسبب ظروف خاصة، نستعرض هنا تاريخها، ونتحدث عن جيل جديد من المبدعين تجمعه ثقافات وعوالم كثيرة، اتخذ أفراده من «الكوميكس» وسيلة تعبير أخرى عمَّا نعيشه في العالم العربي، من لبنان إلى المغرب.
تاريخ الكوميكس: الولادة في خمسينات القرن العشرين
لم يعرف العرب القصص المصورة في عشرينات القرن الماضي، باستثناء الرسوم الكاريكاتيرية، وكانت الصحف اللبنانية والمصرية تخصص مساحات مهمة لرسامي الكاريكاتير، الذين دارت أغلب أعمالهم حول الأحداث السياسية والاجتماعية.
برزت أسماء مهمة في ذلك الوقت؛ مثل حجازي وإيهاب في مصر، وستافرو في لبنان، انتشرت أسماؤهم في العالم العربي مع انتشار مجلات مثل «صباح الخير» المصرية.
أطلقت الجزائر في الثمانينات أول مهرجان للقصص المصورة والكاريكاتير.
تطور الأمر إلى حدٍّ كبير في الخمسينات، ليتحول إلى قصص مصورة موجهة للأطفال على صفحتين أو أربعة، تنشرها مجلات «سندباد» في مصر، و«الصاحب» و«دنيا الأحداث» في لبنان، وكانت مُستوحاة من الواقع العربي وتعكس تفاصيله. وفيما صدرت المجلات المصرية عن مؤسسات حكومية آنذاك، كانت المجلات في لبنان مدعومة من القطاع الخاص، وهو ما أدى إلى توقف بعضها.
أما في خمسينات الجزائر، فقد اكتشف الشباب هناك القصص المصورة القادمة من أوروبا، كأغلب بلاد المغرب التي تأثرت بالكوميكس الفرنسية والبلجيكية. رحَّبت الصحافة الجزائرية بالذات برسامين جُدد بعد الاستقلال، ثم تأسست «مقيدش» في عام 1969 كأول مجلة قصص مصورة، وضمت أهم المواهب الجزائرية آنذاك؛ مثل أحمد هارون وماز وسليم، لكنها توقفت في نهاية السبعينات.
في منتصف الثمانينات، تم إطلاق أول مهرجان يهتم بالقصص المصورة والكاريكاتير، تزامنًا مع تزايد حرية التعبير والانفتاح في الجزائر، خصوصًا مع صدور «المنشار»، أول جريدة ساخرة تُفرد عددًا كبيرًا من الصفحات للكوميكس.
لكن الأحداث الدامية التي عاشتها الجزائر بين 1991 و2001، المعروفة بـ«العشرية السوداء»، أحبطت هذا التقدم إلى حدٍّ كبير، إذ فقدت الساحة الفنية أهم أعضائها بالموت أو الهجرة، وتوقف كثيرون عن ممارسة أي نشاط فني.
لم تستقر الجزائر بعد ذلك إلا في بداية القرن الجديد، وحظي المجال الثقافي بدعم حكومي أكبر نسبيًّا، فاستعادت القصة المصورة نشاطها من جديد مع إطلاق أول دورة من المهرجان الدولي للقصة المصورة في الجزائر عام 2008؛ لتكريم رواد المجال والتعريف بجيل جديد من المبدعين.
أما في الجارة المغرب، فقد كانت السياسة محور القصص المصورة القليلة المنشورة في السبعينات، لكنها لم تكن مغربية، بل كان منتجوها فرنسيين وقصصها تدور غالبًا حول أحد الملوك.
شهدت الثمانينات ظهور قصص مصورة للأطفال باللغة الفرنسية؛ مثل«ميزول وصفاء»، كما تعرَّف أطفال المغرب إلى مجلات عدَّة من هذا النوع في التسعينات، سواءً عربية أو أوروبية أو محلية، وكثير منها لا يزال موجودًا حتى اليوم.
لم يبدأ إنتاج الكوميكس للكبار في المغرب إلا في التسعينات، على يد الثلاثي أحمد النْويتي ووَجْدِي ومحمد المَعْزُوزي، الذين اختاروا تاريخ المغرب موضوعًا لأول إصداراتهم.
وفي العام 2000، أصدر عبد العزيز مريد قصة «إنهم يجوِّعون الجرذان!»، ليحكي فيها عن فترة اعتقاله خلال ما يُعرف بـ«سنوات الرصاص» في المغرب، ثم ألحقها برواية أخرى مصورة عام 2004 بعنوان «الحلاق».
كان محيي الدين اللباد من أوائل الفنانين العرب الذين نشروا روايات مصورة.
كانت فترة الستينات إلى الثمانينات في العالم العربي غنية بتجارب القصص المصورة، منها ما تُرْجِم من لغته الأصلية إلى العربية مثل «تان تان» و«ميكي» في مصر، والأصلية مثل «سمير» التي صدرت في الستينات في مصر أيضًا، و«أسامة» في سوريا، و«مجلتي» و«المزمار» في العراق، وكذلك «ماجد»، التي تصدر في أبو ظبي الإماراتية وتُوزَّع في المنطقة العربية، كما ظهر جيل من المبدعين وتشكلت رموز القصة المصورة.
المصري محيي الدين اللباد قَدِم بنظرة جديدة وإبداع لا مثيل له، فقد خلق شخصيات حظت بشُهرة كبيرة مثل «الأستاذ زغلول».
كان اللباد من أوائل الفنانين العرب الذين نشروا روايات مصورة، منها «كشكول الرسام»، الذي جمع فيه ذكرياته وأشياء أخرى أراد مشاركتها مع الآخرين. تُرجم هذا العمل المميز إلى الفرنسية والهولندية والألمانية، وفاز بجائزة «التفاحة الذهبية» في بينالي برايتسلافا الدولي بسلوفاكيا، وجائزة «الأكتوغون» من المركز الدولي لدراسات أدب الطفولة في فرنسا.
أما في لبنان، فقد كانت «بساط الريح» من أشهر القصص المصورة الموجَّهة للأطفال في الستينات، خصوصًا بعد سقوط بعض الكوميكس المصرية والسورية بسبب توجهاتها السياسية المؤيدة للحكومات وقتها، وهو ما ساعد في انتشار القصص المصورة المترجمة.
أسهم التفتُّح الثقافي في لبنان في إفساح المجال لكوميكس الكبار، التي أسسها جورج خوري المعروف باسم «جاد»، وكانت تلك صفحة جديدة تُفتح في التاريخ المعاصر للكوميكس.
لبنان: عصر الانفتاح وولادة جديدة للقصة المصورة
البداية كانت من بيروت حيث رأت أول قصة مصورة للكبار النور، أطلقها جورج خوري تحت اسم «كرنفال» عام 1980، وتدور حول الحرب اللبنانية الأهلية.
استمر خوري في نشر قصص أخرى؛ مثل «سيغموند فرويد» عام 1983 و«شهرزاد» في 1984، وأسس لأول مرة ورشة قصص مصورة باسم «محترف جاد»، خرَّجت أهم فناني الكوميكس في لبنان اليوم، وأنتجت ألبوم «من بيروت» ليحكي يوميات الحرب، وكانت تجربة فريدة من نوعها آنذاك، وأسهمت في إنتاج مزيد من القصص نُشرت في مجلة «السَّمندل»، التي أسستها مجموعة من تلاميذ جاد.
فتحت «السمندل» أبوابها أمام الهواة والمحترفين العرب والأجانب، وعلى رأسهم طارق خوري صاحب سلسلة «طارق الخرافي»، ولينا مهرج مؤلفة «مربى ولبن»، ثم مازن كرباج الذي يصدر قصصه باللغة الفرنسية، ومجموعة كبيرة من المبدعين أكدوا نجاح «السمندل»، التي تتوفر نسخها للبيع في أماكن عديدة.
دخلت «السمندل» عام 2015 في أزمة مع الرقابة بسبب عددها السابع، الذي تطرَّق لموضوع الانتقام وذَكَر الدين بشكل عرضي، فاتهمت النيابة فريق المجلة بالتحريض على الفتن الطائفية وازدراء الأديان وتهم أخرى، وغرَّمتها نحو 20 ألف دولار، لكن المجلة تخطت الرقابة والأزمة بكاملها وعادت اليوم بحلة جديدة؛ بعدد صفحات أكبر ولغات أكثر، ومبدعين من كل مكان يتشاركون الشغف بالكوميكس.
شجَّعت «السمندل» جيلًا جديدًا من الرسامين الذين خلقوا أعمالًا تُشاهد في مختلف دول العالم، تحكي عن الحرب والمجتمع والناس، وتؤازر هذا المجال كي يتقدم وينضج أكثر، وتفتح الباب لمبدعين من بلدان عربية أخرى وتساعدهم على إصدار كوميكس للكبار، لتصير بيروت بذلك مركزًا رئيسيًّا لهذا الفن في الوطن العربي.
مصر: الثورة والسخرية
«توك توك» هي أول مجلة قصص مصورة للكبار، واسمها مستوحى من وسيلة المواصلات الشعبية الشهيرة في مصر. صدر عددها الأول قبل أيام من ثورة 25 يناير، التي أسهمت في انفجار ثقافي انعكس على «توك توك» ومحتواها، وسمح لآخرين بإنتاج المزيد من الكوميكس.
يعود الفضل في انطلاق «توك توك» لمحمد الشناوي، مع أصدقائه مخلوف وأنديل وهشام رحمة وتوفيق، ويمكن تخيلها كمحطة لمجموعة من القصص التي تتناول ما يحدث في الشارع المصري قبل وبعد الثورة، بأسلوب ساخر وجريء جدًّا في كثير من الأحيان، وتلتزم بالقضايا التي تمسُّ شرائح واسعة من المجتمع.
يمكن اعتبار الشناوي أبًا روحيًّا للكوميكس الحديث في مصر.
تستمر «توك توك» في الصدور إلى اليوم بفضل دعم مادي من الاتحاد الأوروبي، وهو ما لا تحظى به مشروعات أخرى يعمل القائمون عليها بالجهود الذاتية وبعض الإمكانيات القليلة الأخرى، لكنها تساهم كذلك في تطور هذا المجال، الذي يسمى أيضًا في مصر «الفن التاسع»
هناك مجلات أخرى مثل «جراج» و«أوتوستراد» و«العصبة»، أو الكوميكس النسوي مثل «الشكمجية»، التي كانت تصدر عن جمعية «نظرة للدراسات النسوية»، لتكسر حاجز الصمت حول مواضيع تتعلق بقضايا نسوية كالتحرش والعنف.
جاء مهرجان الكوميكس ليضعنا أمام محاولات أخرى للقصة المصورة من مصر والعالم. المهرجان أسسه الشناوي، الذي يمكننا اعتباره أبًا روحيًّا للكوميكس الحديث في مصر، وهو يقوم بالدور نفسه في المغرب، حيث نظم ورش وشارك خبراته مع فنانين من هناك.
بلاد المغرب: التحدي رغم الظروف المحيطة
ربما يشكل عامل اللغة حاجزًا بين بلدان المغرب وسائر العرب، إذ يستخدم أهالي المغرب العربي الفرنسية بقدر كبير أثناء محادثاتهم اليومية، وهو ما ينعكس أيضًا على الكوميكس، فنجد مجلات باللغة الفرنسية أو باللهجات المستخدَمة في مختلف المناطق (مزيج من العربية واللهجات المحلية والأمازيغية والفرنسية).
رغم هذا الاختلاف اللغوي، إلا أن فناني الكوميكس يتشاركون تقريبًا نفس الظروف، مع بعض الاختلافات الثقافية، ويعيشون في نفس المناطق الحضرية، وبالتالي يعيش أبطال قصصهم حولهم، فهم أصدقاؤهم أو جيرانهم أو أقرباؤهم، وأغلبهم شباب يعانون من مشاكل عديدة ويحلمون بحياة أفضل.
سنجد هؤلاء في «سكف كف»، أول مجلة قصص مصورة مغربية صادرة بالدارجة (اللهجة المغربية)، وتتضمن بعض أعدادها قصصًا بالفصحى. ويعود اسم المجلة إلى «ساندوتش» مشهور في أحياء شعبية بالدار البيضاء، وهو أكلة لذيذة لكن قذرة ومكوناتها غامضة، ويحبها «البيضاويون»، كما يُسمَّى سكان الدار البيضاء، بجنون.
«إنها كناية ساخرة عن مدينة نحبها رغم قذارتها»، كما يقول محمد رحمو، أحد مؤسسي المجلة، التي صدر عددها الأول بعد ورشة ضمت 14 فنانًا من المغرب، بإدارة محمد الشناوي مؤسس «توك توك».
لا تخلو قصص المجلة من الخيال مع الاحتفاظ بالطابع المغربي؛ مثل قصة «سوبر خديجة» لـزينب فازيقي، وهي فنانة بصرية مغربية تخيلت امرأة خارقة جميلة جدًّا تحارب الأشرار، لكنها تقرر الزواج والاستقرار في البيت لتجد نفسها تحارب أشرارًا آخرين: الحشرات المنزلية.
«سكف كف» تصدر بشكل غير منتظم لقلة الموارد المادية، لكن محمد رحمو وفريقه يعتمدون على مؤسسة «أوبن ثقافة» التي تستفيد من دعم مالي من المشاع الإبداعي. يقول رحمو: «هدفنا هو الاستمرار وإنشاء مجلة بديلة ومستقلة لكل ما هو شائع».
لا يختلف الوضع في الجزائر كثيرًا عن المغرب فيما يخص الدعم، لكن مهرجان القصة المصورة ساهم في ازدهار فن الكوميكس وأدى إلى إصدار عدد لا بأس به من المجلات، نذكر منها «Monstres» «الورثة» و«البندير».
قبل ذلك، كان الإنترنت هو المتنفَّس الوحيد لفناني الكوميكس الجزائريين، الذين ينشرون حتى اليوم أعمالهم بشكل منتظم أو متقطع على مدوناتهم، مثل ريم المختاري، التي ترى أن النشر على الإنترنت له مزايا كثيرة؛ كالحرية وعدم وجود تكاليف طباعة أو مواعيد معينة للنشر، لكنه «له عيوبه كذلك، والتحدي هنا أقل بكثير من الضغوط أو المشاكل المادية، فنحن نسعى لكسب لقمة العيش أيضًا، نتجه نحو مجالات مربحة ونعمل، وبالتالي لا نحصل على الوقت والطاقة الكافيين لإنتاج كوميكس».
لريم أيضا أسلوب خاص في رسوماتها المنشورة على مدونتها، أسلوب شاعري يعتمد على الحكي، كما نجد الجسد العاري حاضرًا أيضًا في بعض أعمالها، وعن ذلك تقول: «أعتقد أن المشكلة مع العُرِيِّ هو أن الناس لا زالت ترى أن الكوميكسس موجهة للأطفال، وهذا خطأ شائع»، مشيرةً إلى أنه «يجب علينا فقط السماح للآخرين بمشاهدة وقراءة ما يريدون، دون إثارتهم وفرض بعض القيم عليهم».
النساء حاضرات في تونس، إذ تُصدر نادية خياري مجلة «Willis From Tunis» منذ ثورة 13 يناير.
الفنان التونسي سيف الدين ناشي، مؤسس مجلة «سوبيا» (الحبَّار باللهجة التونسية، وهو نوع من فواكه البحر يُستخدم في المطبخ التونسي)، يرى أن مشاكل النشر والتوزيع صعبة: «لو لجأنا إلى ناشر فإننا نحصل على 12% فقط من الربح، وهي نسبة قليلة جدًّا،وإن اخترنا النشر الذاتي فلن ننتشر على نطاق واسع (...) لكننا نحب الكوميكس، ويشاركني صديقي السيناريست أيمن مبارك، وهدفنا مشاركة ذلك مع الآخرين».
تصدر «سوبيا» على الإنترنت فقط ولا تُطبع، ويصف ناشي مواضيع المجلة بأنها «خاصة جدًّا»، بمعنى أنها تمسنا بشكل شخصي دون معالجة متخصصة للموضوع أو نظرة فوقية وتعقيدات فلسفية، أنها «بسيطة وسهلة الاستيعاب. في النهاية، تكون لدينا فكرة عمَّا نريد قوله، ولكل قارئ طريقته الخاصة في فهمها»، بحسب قوله.
بجانب «سوبيا»، هناك مجلات مصورة أخرى استطاع مؤسسوها أن يوزعوها في نسخ ورقية؛ مثل «Lab 619»، التي شارك فيها فنانون مثل زياد الماجري ونضال غرياني، ويشير اسمها إلى أول ثلاث أرقام موجودة على الرمز الشريطي (Barcode) للمنتجات التونسية المحلية، وهي مجلة تجريبية وموجهة للجمهور البالغ، هدفها ترويج فن القصة المصورة في تونس خاصَّة.
النساء حاضرات في كوميكس تونس، إذ تُصدر نادية خياري «Willis From Tunis» منذ ثورة 13 يناير على نحو متسلسل، وهي روايات مصورة تدور حول قط يحكي يومياته في تونس ما بعد الثورة.
الشام والعراق: إبداع رغم قلة التجارب
المختلف في مجلة «عمَّان رايح جاي» الأردنية أنها موجهة للكبار لكن للأطفال كذلك.
كما كشفت الأردن في السنوات الأخيرة عن مواهب كثيرة في مجالات مختلفة، لكن لا تزال هناك عقبات تحُول دون تقدم صناعة الكوميكس، وتجعلها تقتصر على إصدارات فردية ورقية أو نسخ إلكترونية، منها «خرابيش»، وهو مشروع بارز ومعروف على المستوى العربي بفضل فيسبوك، وهذا ما يهدف إليه مؤسسها وائل عتيلي، الذي بدأ بنشر كوميكس قصيرة على الصفحة والموقع.
نظم عتيلي ورشة أنتجت مجلة «عمَّان رايح جاي»، وهي مجموعة جديدة من القصص المصورة تحكي عن العاصمة الأردنية وواقعها الاجتماعي، وتحتوي على أنماط رسومات بسيطة في بعض القصص، وغنية بالألوان والتفاصيل في قصص أخرى من دون سيناريو، فقط خربشات تركز على تفاصيل الأشخاص والوجوه، أو كاريكاتير لشخص معروف في شوارع عمَّان مثلًا.
المختلف في «عمَّان رايح جاي» أنها موجهة للكبار لكن للأطفال كذلك، ربما لأنها، حتى وإن لم يقصد صانعوها ذلك، التزمت بخطوط معينة لتكون متاحة لجميع الأعمار.
محمد، رسام الكوميكس ومصمم الغرافيك المعروف أكثر بـ«Flyin' Dutchman» (شخصية رسوم متحركة معروفة)، لا يعتمد على نصوص في قصصه، بل على الرسم في ترجمة مشاعره وقصص الآخرين، فالرسم وسيلة تكفيه لإيصال ما يريد.
يحلم محمد بأن يُصدر رواية مصورة باسم «مذكرات رجل غير مهم»، ويساهم حاليًا في أعمال عربية مشتركة ويسافر لاكتشاف العالم: «غير مقيم في مكان، مسافر دائم»، كما يقول عن نفسه.
أصدر العراقي رائد مطر العدد صفر من مجلة «مساحة»، وهو عدد تجريبي نتج عن ورشة فريق «مساحة»، ونُفِّذ بطريقة بسيطة.
في العدد صفر حكى كل مشارك عن حدث معين أو عن يومياته، لكن العدد الأول تطرق إلى مواضيع أعمق، ليسخر من الأحداث التي يعيشها العراق، بالإضافة إلى موضوعات أخرى مثل هجرة الشباب والبطالة.
كان مطر حاضرًا في مهرجان القاهرة للكوميكس، واستفاد من تجربة بعض المحترفين لتطوير العدد الأول من المجلة، التي صارت أول كوميكس عراقي للكبار: «البيئة العراقية جاهزة لمنشور كهذا لأنه الأول من نوعه، وكذلك لأن المجتمع العراقي يحب التعرف إلى كل ما هو جديد وقراءة المعلومات بطريقة مختلفة، وبالتالي فالكوميكس حل جديد لذلك».
السخرية عامل مشترك بين أغلب القصص المصورة العربية، ولم تخرج «زان الآن» عن السياق، وهي سلسلة غير متسلسلة من فلسطين، كانت تصدر شهريًّا ضمن مجلة «فلسطين الشباب» بين 2007 و2014، وتعقِّب على أحداث سياسية واجتماعية بشكل ساخر ونقدي.
عامر الشوملي مؤلف «زان الآن» يذكر أنه كان يُنتجها بالاعتماد على حوارات حقيقية تحصل معه ومع أصدقائه في «زان استوديو». يضيف: «الشخصيات المرسومة حقيقية، والشخصية التي تتكرر غالبًا تكون أنا، يمكن اعتبارها مذكرات مرسومة». ونُشرت هذه المذكرات مجمَّعة في كتاب عن مؤسسة «تامر» في فلسطين، لكنها توقفت كأي مشروع لا يحظى بدعم مادي.
قللت ديكتاتورية النظام السوري محاولات الرسامين أو منعها.
يختلف الأمر في سوريا، فعامل القمع وسَلْبِ الحريات لم يكن ليسمح لهذا الفن بالتطور مثلما تطوَّرت الدراما والغناء مثلًا.
تتطرق الكوميكس السورية للأحداث بشكل مباشر، ورياض سَطُّوف مثلًا، وهو فنان سوري فرنسي، جسَّد حالة الرعب التي عاشها في طفولته في بلدان مختلفة مع هجرة أهله من سوريا. عرض سطوف تجربته في رواية مصورة باللغة الفرنسية هي «L'arabe du futur عربي المستقبل»، وهي أيضا سيرته الذاتية في حقبة زمنية معينة لا تختلف كثيرًا عن اليوم.
عانت سوريا من ديكتاتورية النظام الحاكم بشكل حدَّ من محاولات بعض الرسامين أو منعها تمامًا، لكن تجارب اليوم متأثرة أكثر بالأزمة السورية، وأغلب القصص موجودة على صفحات فيسبوك أو مواقع إلكترونية خاصة، وتصوِّر يوميات السوريين أثناء الحرب وما يعيشونه من أزمات اقتصادية ومشاكل اجتماعية.
هذا هو الحال في مشروع «كوميكس من أجل سوريا»، الذي شاركت فيه مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين، ثم مجلة «فشل» التي صدر منها بعض الأعداد باللغتين العربية والتركية، وهي تجربة جديدة ذات نمط مختلف، وتُخصِّص بابًا تربويًّا للأطفال، بالإضافة إلى محتوى لجمهور أكبر سنًّا.
«تين بعل» مجلة كوميكس سورية أخرى موجَّهة للأطفال والمراهقين، تشبه قصص «المانغا» اليابانية. ولاسمها معنى مزدوج؛ فتين تعني مراهق بالإنجليزية، وهي في الوقت ذاته شجرة التين باللغة العربية، وهذا المعنى ينطبق على أشياء كثيرة تخصُّ جمهور المراهقين بالذات في سوريا، وهي وسيلة لإخراجه من الواقع السوداوي للحرب عبر خيال القصص وجمالياتها، وتشجيعه على الاستمرار في الحياة والحلم.
في الفقرة التعريفية بـ«تين بعل»، يقول موقع المجلة: «يمكن لشجرة التين أن تعيش في أقسى الظروف، تستطيع أن تتحمل الجفاف والإهمال، وتمتد جذورها عميقًا في التراب لتبحث عن الماء، تعيش لسنين طويلة وتنمو عاليًا جدًّا. وفي سوريا، تنمو أشجار التين في كل مكان، وتنجو، وتستمر في العطاء، حتى في أصعب الأوقات».
سارة الرّايس