خالتي قماشة: متى تثور الدراما في الخليج على النمطية؟
تقدم الدراما الخليجية عددًا من الأسماء الشابة في مجال تأليف المسلسلات سنويًّا، لا سيما في فترة غزارة الإنتاج خلال شهر رمضان. وبطبيعة الحال، ينتظر المتابعون فكرًا جديدًا مع قدوم الشباب، سواءً في القضايا التي تعالجها الدراما التليفزيونية، أو بنَفْض مفهوم الترفيه التقليدي وجلب مفهوم آخر يناسب تطلعات المُشاهد في عصر «الأونلاين ستريمنغ»، لكن هذا لا يحدث.
عكس التوقعات، نجد هذا المؤلف الشاب وقد استلهم قصصه من أزمنة خلت، ونفذها ذلك المخرج بطريقة لا تختلف عن من سبقوه، وكأن العالم لم تشحذه مناشير التطور، فلماذا يُصِرُّ صُنَّاع الدراما الخليجية على ذلك؟
خالتي قماشة: لماذا توقفتم عن احترام وعي المتابعين؟
في عام 1983، تسمرت أعين الخليجيين أمام شاشات التليفزيون حين عُرض المسلسل الكويتي «خالتي قماشة» للمرة الأولى، فالمُشاهدون وإن وجدوا في العمل نفس الإسقاطات المجتمعية التي تقوم عليها صناعة الدراما العربية، إلا أنهم كانوا مأخوذين بالجانب التكنولوجي الذي استعرضه كاتب المسلسل طارق عثمان.
لم يتكرر دور الخالة «قماشة»، بالكاميرات التي نشرتها في أنحاء المنزل كي تراقب أبناءها، والشاشات التي غطت حوائطها. هذا الدور الجاسوسي المبتكر والمقرون بالتقنية لن تجد حتى نموذجًا مشابهًا له في الإنتاج التليفزيوني الخليجي، فقد عوَّل صُنَّاع الدراما على سذاجة المتابعين لعقود طويلة، وتوقفوا عن اعتبار وعيهم محورًا أساسيًّا في التنافس والتطوير.
يمارس كُتَّاب السيناريو في الخليج الدور الذي ظن أيُّ كاتب قبل عقود أن من واجبه ممارسته: الوصاية على المجتمع.
في ثمانينيات القرن العشرين، وبحكم حداثة التجربة الخليجية آنذاك، استعان منتجو المسلسلات بخبرات الدول العربية في مجالات التأليف وكتابة السيناريو والإخراج، ممَّا أتاح الفرصة لتمازج الرؤى والخروج بتجارب استثنائية علقت في ذاكرة المشاهد الخليجي.
لكن حينما تسلمت الأيدي الخليجية الإنتاج بشكل كامل، ظلت تتأرجح في دوائر محددة لا تبرحها ولا تخرج عنها، حتى مع تطور تقنيات التصوير والأداء والملابس والمكياج ومواقع العمل.
كل ذلك كان يتطور، لكن كاتب السيناريو بقي رهينة أفكار سطحية ليس لها عمق ولا تعالج شرخًا، ظلَّ مُحتَجزًا في إطار العائلة والصراع حول الميراث والخيانات الزوجية والعلاقات التي يراها محرمة، في تسطيح واضح لاهتمامات الفرد الخليجي الحديث.
لَمْ يجارِ الكاتب وعي المُشاهد ولم يخاطب عقله، بل مارس الدور ذاته الذي ظن أيُّ كاتب قبل عقود أن من واجبه ممارسته: الوصاية على المجتمع عن طريق تضخيم الشرور ثم القضاء عليها في قالب درامي ساذج.
بلاك ميرور: كيف تؤثر الدراما على المُشاهدين؟
في تقرير نشره موقع «غولدن غلوب» بعنوان «كيف أثرت البرامج الأمريكية على قبول المجتمع الأمريكي للمثليين؟»، استعرض الكاتب الأسباب التي يعتقد أنها روَّضت المجتمع الأمريكي المحافظ وجعلته مستعدًا لتقبل قرار إتاحة زواج مثليي الجنس، الذي أصدرته المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 2015.
رجَّح المقال أن ذلك تم عن طريق برامج «الكابل» أو المسلسلات، التي روَّجت لشخصيات مثلية لمدة أعوام سبقت إعلان القرار.
قد يهمك أيضًا: كيف أظهرت هوليوود المثليين؟
تستطيع المسلسلات الوصول لمنطقة التفكير لدى المتابعين وتحفيزها، وتكوين أفكار وقناعات جديدة.
على الجانب الآخر، عُرض في عام 2011 مسلسل خيال علمي بريطاني يحمل اسم «Black Mirror» (مرآة سوداء)، يتناول موضوع التطور التكنولوجي وسيطرته على البشر.
حين أراد كُتَّاب المسلسل أن يتصوروا إمكانية تطور أداة الحظر الموجودة في أغلب التطبيقات الإلكترونية حاليَّا، بحيث يمكن حظر الأشخاص فعليًّا من حياتنا بضغطة زر، وضعوا تسلسلًا دراميًّا يدور في الإطار ذاته، عن طريق تسخير فكرة الخيانة الزوجية واختلاط الأنساب الموجودة فعلًا في المجتمع لدعم تخيلاتهم وفرضياتهم المتعلقة باستحواذ التقنية على حياتنا.
هذا النوع من المسلسلات قادر على الوصول إلى منطقة التفكير لدى المتابعين وتحفيزها، وتكوين مجموعة أفكار وقناعات جديدة لم يكونوا على دراية بأنهم سيتبنوها مسبقًا، فهو باختصار يغير نظرتنا للحياة ويفتح أمامنا مزيدًا من الاحتمالات، وهذا ما لم يستطع أي عمل خليجي القيام به: القدرة على الابتكار وإحداث فارق ملموس في المجتمع.
اقرأ أيضًا: كيف حول التليفزيون السياسة إلى عرض ترفيهي؟
الهروب إلى الإنترنت: أنقذوا الدراما الخليجية
لن ينصلح حال الدراما الخليجية قبل إعادة هيكلتها، بحيث تُبنى على الدراسات الموضوعية والتحليل.
أجرت جامعة نورثن ويست في قطر ومؤسسة الدوحة للأفلام دراسة مسحية في عام 2016، توصلت إلى أن نسبة العرب الذين يستخدمون الإنترنت لمتابعة المسلسلات ارتفعت بين عامي 2014 و2016 من 63% إلى 74%.
بحسب الدراسة، يتجه المُشاهد الخليجي لمتابعة أحدث الإنتاجات التليفزيونية العالمية فور عرضها، والاطِّلاع على أجرأ الأفكار وأنجح الطُّرُق في التوظيف الدراما، وأعظم الحوارات المكتوبة التي تلامس المُشاهدين لدرجة يشعرون معها باهتمام مؤلفها وقربه منهم دون تصنُّع ولا تكلُّف.
باتت الثورة على النمطية والتكرار أمرًا لا مفر منه، لكن هل باستطاعة المؤلف وحده فعل ذلك؟ أم أن شركات الإنتاج متورطة بشكل أكبر في الواقع المؤسف للإنتاج التليفزيوني الخليجي؟
لا يضع الطرفان المُشاهد الخليجي في الحسبان، ويبدو أن ذلك لن يحدث قبل إعادة هيكلة الإنتاج التليفزيوني بحيث يكون مبنيًّا على الدراسات الموضوعية والتحليل، وإعادة صياغة أهداف جديدة لهذه الصناعة.
نوف نبيل