الثمانينات: أين تذهب هذا المساء؟
أين تذهب هذا المساء؟ سؤال وإجابته يحملان «نوستالجيا» خاصة ومؤثرة لأجيال عاشت في الكويت منذ خمسينيات القرن العشرين. فمن وُلِدَ في هذه الفترة كان في عشرينياته وثلاثينياته خلال الثمانينات، أي في أوج شبابه، ومن وُلِد بعدها عاش ذكريات طفولته ومراهقته وقتها. ذكريات ارتبطت بجهاز التلفزيون بشكل أساسي، الذي كان مصدر الترفيه البصري والسمعي الأول في حياة تلك الأجيال.
منذ وقعت عيناي على ذلك الإعلان الذي حمل السؤال وجوابه، اتصلت بزوجتي سائلًا إياها: هل عندك ارتباط مساء الأربعاء 25 إبريل؟ وعندما أجابت بالنفي أخبرتها بأنني سآخذها إلى أمسية موسيقية، وحجزت تذكرتين.
حتى تلك اللحظة لم تكن لدي أدنى فكرة عن تفاصيل الأمسية الموسيقية سوى بعض الملامح التي ظهرت في الإعلانات الجذابة التي بدأت تنتشر تباعًا، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو إعلانات الشوارع والصحف. صور تظهِر بعض الفنانين من أمثال حياة الفهد ومريم الغضبان بباروكة زرقاء، والفنان كاظم القلاف والإعلامي فهد العنزي والفنانة سيمون، وصولًا إلى إعلان يحمل رسمًا لمسلسل الأنمي الياباني المدبلج الشهير «جونغر».
تلك الصور تختزن وتختزل في داخلها، على بساطتها، عددًا هائلًا من الذكريات ومشاعر الحنين إلى زمن حمل كمًّا كبيرًا من الجمال والمتعة في نفوس من عاشه.
الثمانينات: جولة في موسيقى تلفزيون الكويت
بحسب نشرة «الرزنامة» التي يصدرها مركز جابر الأحمد الثقافي الذي يستضيف العرض، تصاحب الموسيقى مقاطع فيديو مصورة سيتعرف عليها دون شك من عايش تلك الفترة، ومن شأنها أن تعطي انطباعًا طريفًا لمن لم يعشها كذلك.
يقدم العرض موسيقى من البرامج الرياضية والوطنية، ومن المسلسلات الدرامية وفقرة السهرة.
يوم كامل أمام شاشة التلفزيون سنعيشه عبر تلك الفقرات، ليعيد هذا العمل إلى التلفزيون أمجاده في زمن تزدحم فيه هواتفنا الذكية ببرامج تنقل لنا أطراف العالم، بينما يذكر جيل الثمانينيات تمامًا فترة «عِز» التلفزيون وقتها، وكيف كان المؤثر الإعلامي الأكبر، وربما الوحيد، الذي ينقل لهم الحدث صوتًا وصورة، ويذكر كيف كان جدولنا اليومي مرتكزًا، في جزء كبير منه، إلى برامج التلفزيون ومواعيدها.
يستعرض العمل فقرات تلفزيون الكويت في تلك المرحلة، ويصحب المُشاهد عبر «ثيمات» محددة تنتقل من برنامج إلى آخر، بدايةً من افتتاح البث صباحًا حتى نهاية الإرسال مساءً.
من المُفترَض أن يبدأ العرض، كعادة التلفزيون قديمًا، بأغانٍ ارتبطت بمسلسلات الكارتون، ثم يقدم بعد ذلك تشكيلة من موسيقى البرامج التعليمية والتربوية التي ميزت تلك المرحلة من البث التلفزيوني، وكذلك البرامج التوعوية عن المرور والصحة وغيرها، ثم الإعلانات التجارية والبرامج والمسلسلات الدينية.
يقدم العرض أيضًا موسيقى من البرامج الرياضية والوطنية، ومن المسلسلات الدرامية التي تعوَّد جمهور عريض على متابعتها بصورة يومية، وأخيرًا فقرة السهرة وما تضمنته من برامج منوعة وأغنيات علقت بالذاكرة.
دعونا نجرب: أين تذهب هذا المساء؟
اللحظة التي بدأ فيها كل شيء بالنسبة إليَّ كانت حين شاهدت إعلان الحفل، ورأيت كلمة «الثمانينات» بذلك الخط الكلاسيكي المبدع.
أتابع أعمال مصمم الغرافيكس الكويتي محمد شرف منذ عدة سنوات، وتذكرت أنه وضع في حسابه على إنستغرام مقطع فيديو لمراحل تصميم كلمة الثمانينات التي اعتُمدت شعارًا للحفل.
Recent design for the 80s show — opening soon at @jacc_kw
A post shared by Mohammad Sharaf (@mohammadrsharaf) on
حين تحدثت إلى شرف وضَّح أنه استلهم روح الخطوط التي كانت مستخدمة في الأعمال الفنية خلال تلك الفترة، والتي مالت إلى كونها عريضة وتجريبية، وربما سايكديليك (Psychedelic) كذلك، لكنه أسلوب ممتع وفيه كثير من الشجاعة.
حضرتُ بعد ذلك بروفة للحفل على المسرح الوطني بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وشاهدت خلية نحل تملأ جنبات المكان. كل مجموعة تعمل لإنجاز مهمتها الخاصة، ثم تتضافر الجهود لتحقيق رؤية المخرج. فريق الموسيقى والكورال كان يتدرب بقيادة المايسترو الدكتور محمد باقر، وفريق آخر من شركة «Mesmer» البريطانية يحضِّر المقاطع الفيلمية البصرية، وثالث يعمل على تجهيز مادة الكتيب الخاص بالأمسية ومتابعة تسويق الحملة الإعلانية، بجهود من عالية الغانم ومريم السويلم.
بعد نهاية البروفات سألت المخرج: من أنت؟ فأجابني: أنا جاسم القامس، وتوقف.
يجرب القامس، بحسب وصفه، في أكثر من مجال، لكنه يعمل حاليًّا كمؤسس وناشر في موقع «منشور»، وهو المشروع الأساسي في حياته، إضافةً إلى تجارب أخرى: «هذه أول تجربة لي في مجال الإخراج، الذي دخلته بطريق الصدفة حين شاهدت حفلًا على يوتيوب لفرقة أوركسترا تعزف موسيقى لعبة ماريو، وكانت تعرض خلفها على الشاشات مقاطع من اللعبة، فبدأت فكرة صياغة عمل فني موسيقي سمعي بصري يضم مجموعة كبيرة من الأعمال الموسيقية التي أثرت في نشأتنا».
لجاسم خبرة سابقة في إنتاج أعمال فنية دعائية، لكن ليست لديه خبرة في الإخراج، غير أنه قرر خوض المغامرة على كل حال، واستغلها كفرصة لتعلم مهارة جديدة، واستعان بالفنان الشاب أحمد بودهام ليساعده في الإخراج.
كنتُ متحمسًا لعرض «أين تذهب هذا المساء؟ الثمانينات» منذ شاهدت الإعلان، لكن حماسي تضخم بعد حضور جزء من البروفة ومقابلة بعض المشاركين في الحفل. سأكون في الحفل بالتأكيد، وسأكتب عنه مجددًا بكل تأكيد.
عصام الكاظمي