الاقتصاد لا ينتعش بالأغاني.. «ديسباسيتو» لن تنقذ بورتوريكو
سيطر الشك على «مادلين فريدمان»، كاتبة المقال المنشور على موقع «الواشنطن بوست»، حين شاهدت تصاعد بريق أغنية «Despacito»، التي أنقذت اقتصاد بورتوريكو في أقل من أسبوع حسبما تناقلت وسائل الإعلام، بعد أن واجهت تلك المجموعة من الجزر الكاريبية أزمة مالية كارثية وبلغ دينها العام أكثر من 70 مليون دولار، فهل وقعت معجزة اقتصادية في بورتوريكو أم أن هذه مجرد أوهام؟
ديسباسيتو تجتاح قوائم الأغاني
تابع مواطنو بورتوريكو المقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية هذا الحدث منذ بدايته، فمن الصعب تجاهل العناوين الرئيسية للصحف: «رفعت أغنية جاستن بيبر الناجحة ديسباسيتو السياحة في بورتوريكو بنسبة 45%»، و«دعمت ديسباسيتو الاقتصاد البورتوريكي».
في حالة عدم سماعك الأغنية من قبل، وهذا ربما يعني أنك لا تعيش معنا على الكوكب ذاته، فإن «ديسباسيتو» أغنية راقصة قدمها المغني البورتوريكي الشهير «دادي يانكي» مع مواطنه «لويس فونسي»، وأُعيد توزيعها بعد ذلك مع المغني الأمريكي «جاستن بيير»، الذي أضاف إليها بعض المقاطع.
رغم ما تناولته الصحف، فإن «ديسباسيتو» لم تساعد في حل أزمة بورتوريكو الاقتصادية بأي طريقة.
الرسالة البسيطة التي تحملها «ديسباسيتو»، بحسب فريدمان، هي أن تترك نفسك لتستمتع بالإغواء. و«ديسباسيتو» هي الأغنية الأولى باللغة الإسبانية التي تصل إلى صدارة قائمة مجلة «بيلبورد» الأسبوعية لأفضل مئة أغنية منذ صدور «ماكرينا».
لا يوجد شك في جاذبية الأغنية، لهذا انتشر الحديث عنها في وسائل التواصل الاجتماعي وشاهدها ملايين، لكن كاتبة المقال تتساءل مع ذلك: هل «ديسباسيتو» فعلًا أكثر من مجرد أغنية ناجحة؟ وهل تستطيع موسيقى «الريغيه تون» الراقصة التي اعتبرها بعض الناس بداية انهيار التقاليد الموسيقية الغنية في بورتوريكو في التسعينيات، إنقاذ اقتصاد دولة؟
رغم كل ما تناقلته الصحف حول إنعاش «ديسباسيتو» للاقتصاد البورتوريكي بزيادة نسبة السياحة، فالحقيقة غير ذلك تمامًا بحسب فريدمان، فلم تساعد الأغنية في حل أزمة بورتوريكو الاقتصادية بأي طريقة.
قد يهمك أيضًا: كيف تولِّد الأزمات الاقتصادية حلولًا مجتمعية مبتكرة؟
تقول فريدمان إن هذه الشائعة انتشرت لأول مرة بعدما نشرت وكالة أخبار أرجنتينية هذه القصة، واستدلت ببعض أرقام الحجوزات على موقع «Hotels.com» لتزعم ارتفاع السياحة في بورتوريكو بنسبة 45% بفضل الأغنية، وكانت هذه الإحصائية القاصرة كافية بالنسبة إلى كثير من وكالات الأنباء كي ينتشر الخبر بغض النظر عن صحته، ومن ثَمَّ تناقلته جرائد مختلفة من ضمنها مجلة «بيلبورد» الشهيرة دون تحقُّق.
بورتوريكو لا تزال في ورطة
أثارت هذه الأخبار فضول الكاتبة للسعي وراء الحقيقة، فبحثت في نسب حجز الفنادق في بورتوريكو شهريًّا بعد إصدار الأغنية، بدايةً من فبراير حتى مايو 2017، وقارنتها بالأشهر نفسها خلال عام 2016 فلم تعثر على هذه الزيادة المزعومة.
عرض مقال إسباني تحديات السياحة التي تواجهها الجزيرة في 2017، وذكر انخفاض دخل شركة بورتوريكو للسياحة من الضرائب على حجوزات الغرف الفندقية عن العام السابق بنسبة 15% في يناير، و21% في فبراير، و2% في مايو، بينما ارتفع مكسب الشركة بنسبة 5.4% في شهر يونيو فقط.
تواصلت كاتبة المقال مع المدير التنفيذي لشركة بورتوريكو للسياحة، الذي أكد ارتفاع نسبة البحث عن بورتريكو على مواقع السفر الإلكترونية، لكنه لم يقدم دليلًا ملموسًا على زيادة عدد السياح القادمين إلى الجزيرة بالفعل منذ تصدرت «ديسباسيتو» قوائم الأغاني العالمية.
تحمس مدير الشركة للصورة التي عكستها هذه الطفرة المزعومة التي أحدثتها «ديسباسيتو» للاقتصاد البورتوريكي، لذا يقول: «تبحث شركة السياحة عن طرق للاحتفال بنجاح الأغنية لاستمرار إثارة الاهتمام ببورتوريكو والفضول تجاهها كوجهة عالمية».
قد يعجبك أيضًا: كيف يساعدك السفر في إعادة النظر للعالم؟
ليست هذه القصص زائفة تمامًا بحسب فريدمان، لكن تحويل الأغنية إلى معجزة اقتصادية دفعت الناس إلى الاهتمام بزيارة بورتوريكو ربما يكون مبالغًا فيه كثيرًا، وعلى كل حال، ينبغي علينا التحقق من صحة مثل هذه الأخبار.
تشير فريدمان إلى أن جزيرة بورتوريكو تُقارن كثيرًا بقرية «ماكوندو»، وهي منطقة خرافية أبدعها خيال الروائي الكولومبي «غابرييل غارسيا ماركيز» في روايته الأشهر «مئة عام من العزلة»، وربما يعني هذا بالنسبة إلى بعض الناس أن يعمل اقتصاد بورتوريكو بقوانين «الواقعية السحرية» كذلك.
ندى حنان