اليد الخفية: كيف تروِّج المخابرات الأمريكية للحرب في أفلام هوليوود؟

ترجمات
نشر في 2017/07/07

لقطة من فيلم «Hacksaw Ridge» - الصورة: Cross Creek Pictures

تدخُّل الرقابة في صناعة الأفلام وغيرها من الأعمال الفنية قضية تُثار في الإعلام باستمرار، وعادةً يميل ذوو التوجهات الليبرالية نحو رفع الرقابة أو تخفيفها على الأقل، لأنها تمثل قيدًا على التعبير والإبداع، ويسُوقون لهذا الغرض نماذج من الحرية في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يمكن التعرض لأي شيء بالنقد والسخرية.

بغض النظر عن اختلاف مواقفنا من قضية الرقابة، ربما تُفاجئنا معرفة أنها حاضرة ومؤثرة بقوة في السينما الأمريكية على الأقل، إذ تتدخل مؤسسات أمنية مختلفة، مثل البنتاغون ووكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية، في صناعة الأفلام بالتوجيه أحيانًا والحذف أحيانًا أخرى.

كانت هذه التدخلات موضوعًا للبحث من قِبَل «ماثيو ألفورد» و«توم سيكر»، اللذين أنتج بحثهما كتابًا يسرد هذه التدخلات وتفاصيلها، وقدم له سيكر عرضًا على موقع «Medium».

وزارة الدفاع تراقب أفلامك المفضلة كلها

قصة تاريخ طويل من التعاون بين هوليوود ووزارة الدفاع الأمريكية

دخلت تعديلات ضخمة على سيناريوهات بعض الأفلام الكبيرة نتيجة لتدخل الحكومة الأمريكية.

بدأ ألفورد وسيكر بحثهما باعتقاد مفاده أن مكتبًا صغيرًا تابعًا للبنتاغون «ساعد» في إنتاج قرابة مئتي فيلم في تاريخ السينما الأمريكية، وأن هذه المساعدة كانت بناءً على طلب صُنَّاع الأفلام، وأن وزارة الدفاع الأمريكية لم تتدخل في صياغة السيناريو، لكنهما اكتشفا أن هذا خطأ تام.

حصل الباحثان على أربعة آلاف صفحة من وثائق البنتاغون والمخابرات احتوت على اكتشافات مدهشة، إذ أظهرت أن الحكومة الأمريكية كانت حاضرة في كواليس أكثر من 800 فيلم ضخم الإنتاج، وأكثر من ألف عمل تليفزيوني. وتشمل هذه الأعمال أفلامًا مثل «Charlie Wilson's War» بطولة «توم هانكس» و«جوليا روبرتس»، و«Meet the Parents» بطولة «بن ستيلر» و«روبرت دي نيرو».

عرف الباحثان من الوثائق كذلك أن تعديلات ضخمة قد دخلت على سيناريو بعض الأفلام الكبيرة نتيجةً لتدخل الحكومة الأمريكية، وتشمل هذه الأعمال أجزاءً من سلسلة «جيمس بوند»، وأفلام «Transformers»، بالإضافة إلى مجموعة من أفلام «الكوميكس» التي تُنتجها شركتا «مارفل» و«DC».

على سبيل المثال، اكتشف ألفورد وسيكر أن وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) تدخلت بالدعم والتوجيه في صناعة فيلم «Thunderball» من سلسلة «جيمس بوند»، و«Patriot Games» و«Meet the Parents» و«Salt».

تمتد القائمة لتشمل مجموعة ضخمة كذلك من المسلسلات والبرامج التليفزيونية، مثل «Hawaii Five-0»، و«America's Got Talent»، و«Oprah»، و«Cupcake Wars»، بل وحلقة من برنامج الطبخ الشهير «Top Chef»، بالإضافة إلى بعض الأعمال الوثائقية التي أنتجتها قنوات «PBS» و«History Channel» و«BBC».

بعض الأمور حساسة بالنسبة للجيش الأمريكي

إعلان فيلم «Tomorrow Never Dies» الذي تدخلت وزارة الدفاع لتعديل جزء من حواره

الجيش الأمريكي حساس خصوصًا تجاه أي إشارة إلى انتحار الجنود، وهي مشكلة أرَّقته لفترة طويلة.

يقول سيكر إن الكاتب أو المنتج الذي يوَد تلقِّي مساعدة من الجيش لفيلمه (مثل المعدات أو غيرها)، عليه أن يطلب تصريحًا من وزارة الدفاع الأمريكية، ويتطلب هذا منه تقديم نسخة من سيناريو فيلمه إلى مكتب مخصص لهذا الغرض، يراجع العمل ويتدخل فيه بالحذف أو التعديل.

يوقع الطرفان عقد إنتاج مشترك، يعني أن يتمكن صُنَّاع الفيلم من استخدام معدات الجيش وتسهيلاته، لكن عليهم في المقابل إنتاج نسخة الفيلم التي وافق عليها الجيش، والتي ربما يكون مكتب وزارة الدفاع قد حذف منها شخصية أو حدثًا أو قسمًا من الحوار.

يذكر سيكر مثلًا أن المكتب اعترض على جملة في حوار فيلم «Iron Man» يقول فيها أحد رجال الجيش: «سيقتل الناس أنفسهم كي ينالوا ما أحصل عليه»، وبعد مشادة بين المخرج ومسؤول وزارة الدفاع، حُذف السطر من الفيلم.

يبدو أن الجيش الأمريكي حساس خصوصًا تجاه أي إشارة إلى انتحار الجنود، وهي مشكلة لعلها أرَّقت الجيش لفترة طويلة، إذ إن عدد الجنود الأمريكيين المنتحرين في الحرب ضد تنظيم داعش مثلًا يفوق عدد مَن يُقتلون على أرض المعركة، ويعني هذا بالنسبة إلى وزارة الدفاع رفض أي مشهد أو جملة حوارية تحمل إشارة إلى وقائع الانتحار هذه.

بالإضافة إلى الانتحار، يشعر الجيش الأمريكي بحساسية تجاه حرب فيتنام، فيذكر سيكر أن المكتب التابع لوزارة الدفاع تدخل لحذف جملة من فيلم جيمس بوند «Tomorrow Never Dies»، قالها أحد ضباط الـ«CIA» لبوند الذي كان على وشك القفز من طائرة والنزول في مياه تابعة لفيتنام. قال الضابط: «ربما يؤدي هذا إلى حرب، ومن يعلم؟ قد نفوز فيها هذه المرة»، وحُذفت الجملة بأمر وزارة الدفاع.

حُذفت إشارة إلى حرب فيتنام من فيلم «Hulk» ضمن تعديلات كبيرة أخرى على السيناريو، شملت تغيير المعمل الذي وُلد فيه «Hulk» ليصبح منشأة غير عسكرية، وقد كان عسكريًّا في السيناريو الأصلي، وتغيير اسم عملية القبض عليه من «Ranch Hand» إلى «Angry Man»، لأن الاسم الأول يشير إلى عملية عسكرية حقيقية ألقى الجيش الأمريكي فيها ملايين الجالونات من المبيدات والسموم على الريف الفيتنامي، ممَّا أدى إلى تسميم ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية.

يحاول الجيش إذًا حذف أي إشارة تسيء إليه أو تسخر منه أو من تاريخه، وربما يقف عائقًا دون إنهاء الفيلم إذا رفض منتجوه الانصياع.

اقرأ أيضًا: كيف استغلت الأنظمة السينما للترويج للجيش والحرب؟

المخابرات تشارك في الرقابة على الأفلام

هل يمكن أن يكون فيلم «The Recruit» عملًا دعائيًّا للمخابرات فقط؟

استطاعت وكالة الاستخبارات أن تؤثر في عدد لا يُستهان به من أفلام هوليوود وبرامج ومسلسلات التليفزيون الأمريكي، ويشير سيكر إلى حالة «The Recruit»، وهو فيلم عن عضو جديد ينضم إلى المخابرات المركزية وعملية تدريبه، والمثير للاهتمام بخصوص سيناريو هذا الفيلم بالذات أن مسوَّدته الأولى كتبها أحد مسؤولي المخابرات، رغم أن اسمه يظهر على الفيلم باعتباره فقط «مستشارًا تقنيًّا».

يحتوي الفيلم، بحسب سيكر، على قدر كبير من الدعاية الفجة للمخابرات والحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى شيطنة الدول المعادية لأمريكا وتهوين إخفاقات الـ«CIA».

مثلما هو الأمر مع وزارة الدفاع، تتدخل المخابرات الأمريكية بالحذف والتعديل في المشاهد التي لا تراها مناسبة للجمهور، وقد حذفت مثلًا مشهدًا من فيلم «Zero Dark Thirty» يُظهر ضابط مخابرات مخمورًا يطلق النار في الهواء على سطح بناية في مدينة إسلام آباد عاصمة باكستان، وحذفت كذلك مشاهد لاستخدام الكلاب في تعذيب المعتقلين.

وفي فيلم الكوميديا الشهير «Meet the Parents»، تدخلت المخابرات لتعديل مشهد يعثر فيه البطل بن ستيلر على المخبأ السري لروبرت دي نيرو، وكان يُفترض أن يجد في السيناريو الأصلي كتبًا إرشادية عن التعذيب تابعة للمخابرات، لكن المشهد عُدِّل ليجد بدلًا من ذلك صورًا لدي نيرو مع عدد من الشخصيات المهمة.

ربما يختلف هذا النمط من الرقابة عن ذلك النوع الذي نعرفه، لأن صُنَّاع الأفلام يتدخلون لتعديلها بأنفسهم مقابل التعاون وتلقِّي الدعم من وزارة الدفاع أو المخابرات الأمريكية، لكن يبقى بإمكانهم رفض الدعم والاحتفاظ بأفلامهم كما هي، لكن القضية تدل مع ذلك على أن المُثُل العليا للحرية في أمريكا ربما تكون حبرًا على ورق فقط.

ترجمات