ما أعرف الصواب من الصح: غرائبية المسلسل الكويتي القصير «الأوابد»

أمل السعيدي
نشر في 2021/09/28

الصورة: نوى - التصميم: منشور

في بيوت الكويت العادية، وفي شوارعها المألوفة، وبينما تدور أحاديث يومية متكررة، تحدث مفارقات تغير من مسار القصة، لتضعها في موقع يشبه «الواقعية السحرية». هذا ما يدور في مسلسل «الأوابد» الكويتي القصير المكون من ثلاث حلقات، والذي بدأ بثه مطلع سبتمبر 2021، وتعني هذه الكلمة بحسب موقع المعاني: الأشياء العجيبة الغريبة.

تشكيلة من المشاهد اليومية

تنطلق الحلقات الثلاث في بنيتها من تفاصيل خاصة بالمجتمع الكويتي، في نوع من إعادة إحياء الحياة اليومية المعاشة، وسط إنتاج فني متدفق عُرف عن الكويت، ويُنتقد باستمرار، خصوصًا في مسألة انفصاله عن الواقع، أو استثماره للقضايا الكبيرة في صناعة الأحداث وتوجيهها.

نشاهد من خلال الأوابد نمط الحياة اليومي مثل الذهاب للجمعية، أو الحضور في موقع بناء بيت جديد، وقيادة الكويتي للسيارة بما يُعرف عنه من رعونة واندفاع، وعلاقات الصداقة والزواج، والاعتماد على العمالة المنزلية، وحضور الوافدين في نسيج المجتمع الكويتي، وملامح عن وضع النساء وتعرضهن للعنف والتحرش، والاعتماد على الواسطات، والعدائية المفرطة في مواقف قد لا تستدعي هذا الشكل من الانفعال.

يحدث كل هذا بنعومة فائقة، وتصبح مشاهد المسلسل أقرب لعدسة دقيقة لما يبدو في العادة هامشيًا، وتعد هذه المشاهد اليومية أرضية لتقديم المفارقة، التي تعمل على تغيير إيقاع العمل، في سبيل تحسينه وديًا، وخلق نوع من التوتر الذي يدفع المشاهد للتعلق به، والرغبة في معرفة ما سيحدث بعد ذلك، في استطراد مهم للتخييل وقدرته الخارقة على زحزحة الواقع من مكانه، وخلخلته، ليصبح منظورنا نحو هذا الواقع غير مألوف، أي لكي يصبح هذا المنظور قائمًا على مساءلة هذا الواقع وتفكيكه وتصفيته لعناصره كلها.

يقول مساعد خالد المشارك في كتابة سيناريو المسلسل لـ«منشور»: «يحب فريق كتابة الأوابد نمط Anthology Series مثل The Twilight Zone وInside No. 9 كنماذج مشهورة، ومعجبون كذلك بالتنوع القصصي في مسلسلات مثل طاش ما طاش والناس أجناس. حرصنا على أن تكون القصص كويتية وغرائبية في الوقت نفسه، وقد تحتوي على بعض الكوميديا. وهي محاولة متواضعة للتغيير والتنويع بالابتعاد عن القصص الدرامية الاجتماعية».

تُعرف مسلسلات الأنثولوجيا (سلسلة مختارات) بأن كل حلقة من البرنامج التلفزيوني تعيد ضبط السرد الدرامي مع الاحتفاظ بنبرة المسلسل، ولكنه يقدم قصة جديدة في كل حلقة، مع وجود شخصيات مركزية جديدة في المركز.

مفارقات عجائبية

الصورة: نوى

تعتمد حلقات المسلسل الأشبه بالأفلام القصيرة على المفارقة كما أسلفنا، في ما قد نعتبره طريقة للواقعية السحرية، وتعني في هذا السياق تحوير لافتراض أو عنصر واحد في القصة، لكن باقي الأحداث تسير بمنطقية أو واقعية تشبه واقعنا المعاش.

يقول جيسون هيلرمان إن المفارقة تتمثل في قرار روميو قتل نفسه معتقدًا أن جولييت ماتت، بينما نعلم كمشاهدين أنها تغط في نوم عميق. إنه ذلك الوقت الذي يتيح لك أثناء مشاهدة العمل أن تصرخ في الشاشة وتندهش، وهو أسلوب فني مستخدم منذ التراجيديا اليونانية، وغالبًا ما يستخدم الكلمات أو الأفعال عن قصد للإشارة إلى معنى معاكس للمعنى الحرفي الذي نراه.

تعمل هذه المفارقة كعضو في جسد ضخم ينتج ما يعرف بالواقعية السحرية، وهي «نوع من الخيال الروائي يُستخدم في الفن (الأدب، الرسم، السينما، المسرح)، ويعبر عن وجهة نظر واقعية للعالم الحقيقي في المقام الأول، مع إضافة أو كشف بعض العناصر السحرية». يعرف هذا النوع من السينما بارتباطه بأدب أمريكا اللاتينية، وهو ما أدى إلى انفتاح هذا النوع السينمائي على مشكلات اجتماعية وثقافية وسياسية، في رؤية مبتكرة لأحداث الواقع وتحولاته.

لكن كيف تظهر هذه المفارقة في الأوابد؟ في الحلقة الأولى تحضر قوة السحر، إلا أننا سريعًا ما نشاهد كيف ينقلب السحر على الساحر، في تقنية تحاول الإيحاء بتمثلات كبيرة في الواقع، مثل العدالة، والقدرة على تحطيم القوالب الصلبة للواقع القاسي والمتين.

أما في الحلقة الثانية فيظهر «جيس الزبالة» مثل وحش يبتلع عناصر الحياة اليومية، وفي الحلقة الثالثة الأقرب لمفاهيمنا الواقعية، ترصد عصابة «نادي القيادة المهذبة» التي يرتدي أفرادها الأثواب الزرقاء المخالفين في الشوارع الكويتية، إلا أن مفارقة مدهشة تحدث في نهاية الحلقة، توثق انقلاب الموازين والمعايير، وكأننا نعيش في مسرحية نهر الجنون لتوفيق الحكيم، عندما لا نعرف من الذي كان مخطئًا أو مصيبًا، حتى أن إحدى الشخصيات تصرخ: «ما أعرف الصواب من الصح».

مساعد خالد لا يعتبر الأوابد عملًا استثنائيًا أو غير تقليدي، فهو «ربما لا ينتَج بكثرة في الخليج، لكن ثمة تجارب موجودة محليًا وخليجيًا في تمثيليات وسهرات تلفزيونية وأفلام قصيرة، ابتعدت عن جو الدراما الأسرية والقصص الاجتماعية، ولعل مثال حلقات الرعب في طاش ما طاش قصص رعب سعودية محلية دون استيراد عناصر سردية جاهزة من الغرب»

صناعة فنية مستقلة

الصورة: نوى

تقدم قناة نوى التي عرضت العمل نفسها على أنها قناة تضم مجموعة من صناع الأفلام والمبدعين لإنتاج محتوى ترفيهي مستقل. وبحسب آشلي تورينغ، فإن صناع المحتوى الترفيهي المستقلين يواجهون تحديات كبيرة لترك انطباع عميق في سوق الترفيه الذي يشهد منافسة عالية وشرسة.

فالموهبة لا تضمن الوصول إلى كبار المنتجين في السوق، وهذا ما يؤدي إلى الاتجاه إلى الاستقلال التام في كثير من الأحيان. في عام 2014، قال المخرج الكويتي مشعل الحليل إن صناع الأفلام المستقلة في الكويت يفقترون إلى المهرجان المحلي الذي يمثل حلقة التواصل مع الجمهور، وخلق ثقافة سينمائية عامة تساعد على تطوير الأعمال المستقبلية.

غالبًا ما تجد مثل هذه المشاريع، التي تنتَج بدافع تغيير الصناعة والحياة على حد سواء، صعوبة في التواصل مع المشاهدين بسبب نقص الموارد. إلا أن هناك اتجاهًا واضحًا من قبل هؤلاء الصناع إلى منصة يوتيوب كما نشهد في مسلسل الأوابد، وكذلك أعمال المخرج مقداد الكوت، ومسلسل تقدير الاحتياج الذي بُث في حلقات تجريبية.

الصورة: نوى

لذا يُنصح عادة لإنجاح العمل المستقل بحسب تورينغ ألا يقدمه الصانع بمفرده، ولو على الأقل بالتعاون مع أشخاص لديهم خبرة بسيطة. ويقول مساعد خالد في هذا الشأن إن «أغلب فريق عمل الأوابد خصوصًا في الوظائف الرئيسية كانوا من الأصدقاء، عملنا معًا منذ سنوات في صناعة الأفلام والتصوير والمونتاج والموسيقى وتوزيع الصوت والمؤثرات البصرية. حتى بالنسبة للتمثيل فقد كان كذلك مع أصدقاء ممثلين، مع اعتمادنا على تجارب الأداء من أجل اختيار بعض الأدوار».

جاء التمثيل في العمل متسقًا مع الروح الحديثة التي يبثها إيقاعه ونوعه، إذ يظهر التمثيل عفويًا وليس مسرحيًا إلا إذا استدعى السياق، خصوصًا مع دخول المفارقة وتغييرها لنبرة القصة واتجاهاتها، وتلاحم ذلك مع الموسيقى التصويرية الجيدة، لتحيط القصة بهالة الغموض والتصاعد الدرامي في القصص.

وعن استقبال الجمهور للأوابد، يقول مساعد خالد: «ردات فعل الجمهور مشجعة، الكثير منهم استمتعوا بالقصص ومحتواها وأعجبتهم الكوميديا».

أمل السعيدي