«البقية في حياتك يا شيخة.. أسامة مات»، هكذا بدأت مكالمة إبلاغي بموت زميلنا وصديقنا أسامة يوسف، وانتهت بقلب ينتفض ودمعٍ جارٍ وعقل ينتظر أن يتصل أسامة بعدها ويقول «كان مقلب يا بت».
منذ 2016 ومع ظهور منشور للعالم، كان أسامة يتعامل معه كابن، يعلمه في النهار ويسهر عليه في الليل. كنت أشاهد أسامة يسهر حتى الثالثة فجرًا، ينام في المكتب، ويستيقظ في التاسعة صباحًا ليبدأ العمل من جديد، شغف لا ينتهي وابتسامة لا تفارقه. كنا حين نجلس في مكاتبنا نسمع صوت أسامة ضاحكًا في الاستقبال، فنجري نحوه لنعرف الإفيه الذي نعلم جيدًا أنه سيظل معنا عالقًا حتى الإفيه القادم.
درس الهندسة وأبدع فيها، عمل في الصحافة وأخلص لأخلاقياتها، أدار فريق السوشال ميديا فكوّن فريقًا يمكن أن يقارع به كل الفرق، دأب على تعلم كل شيء، ورغم صغر سنه وعدم إكماله للثلاثين عامًا، أبدى نضجًا لا يعرفه من في الأربعين من أعمارهم.
«منشور غير حياتي وأنقذني من كل حاجة وحشة»، هكذا قال. رغم قسوة الحياة عليه لم يتوقف أسامة عن محاولاته لإيقاف تلاعبها به، عمل بكل روحه ليلين من قسوتها. «الحياة زبالة بس لازم نعرف ننضفها يا شيخة». في لحظات حزنه وحين يبدأ بالفضفضة ينتبه إلى أننا نحزن معه فيقول: «بس بس وانتوا عاملين إيه؟».
أسامة مات، تاركًا فينا وجعًا وفقدًا وألمًا، وجرحًا في قلبنا لا يبرأ، وكسرًا لا يلتئم، وصورًا على هواتفنا ليس فيها سوى ابتساماته وضحكاته وعبطه.
حين كنا نخطئ في حق بعض كان أسامة يتبرع مسرعًا للرد بصراحة يمكنها أن تكون مزعجة، لكنه يفعل ذلك حتى لا تنمو أحقادنا على بعضنا أو غضبنا نحو بعض، لأنه يعلم جيدًا أن تدخله ليرد سيحول الغضب نحوه، لكن من يستطيع أن يغضب من أسامة؟ هي دقائق وستبدأ الضحكات تجلجل، فيُنقذ الموقف.
أسامة مات
لم يصدق أحد، «أسامة يموت؟ يموت كله؟ أي موت يستطيع إنهاء أسامة كله؟».
قبل موته حصل أسامة على رخصة الغوص، تعلم ما كان يتمنى تعلمه منذ سنوات، بقيت الرخصة على مكتبه تنظر لأسامة ممدًا على السرير، ليتها أمنية لم تتحقق لربما عاش ليحققها.
أسامة مات وعشنا، و«الموت لا يوجع الموتى بل يوجع الأحياء»، لروحك السلام والطمأنينة والراحة يا روح منشور وروحنا.
وداعًا يا قلب منشور النابض