في 2016، بدأ «منشور» مشواره الصحفي كمشروع ثقافي عربي يطمح إلى إيجاد المشتركات بين أبناء جيل الربيع العربي، ليصبح مكانًا يستوعب أفكارهم وثورتهم وتطلعاتهم إلى المستقبل. وانطلاقًا من القاهرة، على مدار أكثر من سنتين، اتسعت قاعدة «منشور» وشكَّل زاوية محببة على الإنترنت لقرائه، وأخوية صادقة لمن عمل فيه أو تعامل معه.
ونظرًا للظروف التي يواجهها معظم صناع المحتوى في الوطن العربي، اضطررنا إلى اتخاذ قرار صعب بإغلاق أعمال «منشور» في القاهرة في يناير 2019، وأن نترك بيتنا الذي احتضن «منشور» وكبر معه، ليستمر بعدها من الكويت مكانًا نعرض فيه الأفكار متى ما تسنت، على أمل أن يأتي يوم تنهض فيه هذه الزاوية الصغيرة على الإنترنت من جديد.
واليوم، يصدر «منشور» بثوب جديد ورسالة متجددة، كموقع صحفي نسعى من خلاله إلى خلق مساحة مؤثرة للصحافة في محيطنا المحلي والخليجي والعربي.
ما الجديد في «منشور» الجديد؟
نسعى لشرح الأخبار لجيل لا وقت لديه لقراءة الأخبار التقليدية، فصار لزامًا مواكبة عالمنا غير التقليدي بوسائل غير تقليدية، وخلق سياقات تبين علاقة الأخبار بحياتنا اليومية، لنساعد في اتخاذ موقف وإجابة التساؤلات التي تدور في أذهان الجمهور وأفراد المجتمع.
لا ندعي احتكار الحقيقة، بل نرى نمونا في بحثنا الدائم عنها، مع إيماننا بأن الحقيقة ليست دائمًا مطلقة، وأن هناك وجهات نظر سنسعى جاهدين إلى إبرازها. وفي سعينا هذا، ستكون بوصلتنا مبادئنا التي نعيش عليها، ونأمل أن تسود في مجتمعاتنا، والتي ترتكز على التواصل مع النفس، وتقبل الآخر، والسعي نحو الحرية.
تعلمنا الدرس، فالصحافة المحلية هي الأهم، وهي الأكثر تأثيرًا والأكثر قدرة على التغيير، وهي أيضًا الأكثر حاجة إلى الاهتمام. تعلمنا أننا، وإن كنا نشترك مع الملايين في المنطقة العربية والعالم في المبادئ والقيم والأفكار والهواجس، فتلك أخوية إنسانية كبرى تجمعنا، ولا تعفينا من دورنا المجتمعي، كلٌّ في مكانه، يسعى لحرث الأرض وزراعتها، بذرة بذرة. تعلمنا كذلك أن الأمور تنطلق من المبتدأ، فبلوغ القمر يتطلب أرضية للانطلاق. واليوم، وفي الكويت، نبدأ رحلة «منشور» الجديدة.
طموحنا المقبل
نعتقد أن إحدى المشاكل الرئيسية في مجتمعاتنا اليوم، والتي يكتنفها ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي، هي ندرة المصداقية والتحليل الموضوعي لحقيقة ما يجري من حولنا: كيف تسير الدولة؟ ما مستقبل الكويت والدول المحيطة؟ أين نحن من مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية؟ كيف يتحرك المجتمع؟ كيف تجد الأفكار مكانها على الأرض؟ والحل في نظرنا بسيط في تسميته، مجهدٌ في تحقيقه: الوعي، عبر طرح الأسئلة والبحث عن المعلومات ووضعها في سياقها السليم، وتقديم التحليل بشكل مهني ولغة مفهومة دون تكلف، حتى نتمكن من تأسيس نقاشاتنا وأفكارنا على أرض متماسكة، تمكننا من البناء حتى تتقدم مجتمعاتنا.
هنا يأتي دور الصحافة، التي لعبت في بلادنا دورًا رياديًا في سنين سابقة، وأسهمت في خلق نقاش ضروري حول العديد من القضايا المصيرية، وما أكثرها اليوم على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. باتت الصحافة مكانًا للتنافس على سرعة الخبر لا جودته، بينما تعتمد التحليلات في العادة على توجهات لا تتسم بالموضوعية، وغابت الإجابات على الأسئلة البديهية، وقلت التحقيقات المعمقة. وإذا كانت الصحافة في بلادنا يُشار إليها بالبنان يومًا ما، فإن ذلك البنان قد بات ماضيًا بائدًا، وأصبحت الساحة اليوم تفتقر إلى صحافة لا تنقل الواقع وتُسائله فحسب، بل تسعى لتحريكه نحو أفق جديدة. هنا تأتي رسالة «منشور».
وإذ يأخذ «منشور» اليوم منحى آخر يركز فيه على الصحافة من منظور كويتي وخليجي وعربي، نحيي زملاءنا الذين زرعوا البذرة الأولى ورعوها، وجعلوا من فكرة «منشور» الأولى حقيقة، فكانوا النواة التي أرست الدعائم الأولى في القاهرة، وأثبتت أن خلق مساحة حقيقية لأفكار جميلة وجديدة في الوطن العربي أمر ممكن، فلهم الشكر والفضل لما صار عليه «منشور».
سيواصل «منشور» دوره كموقع إلكتروني، يقدم محتوى صحفي يُسائل الواقع، ويحفز النقاش حول الحياة والشأن العام والثقافة والفنون والتجارب الإنسانية، سعيًا إلى فهم سياقات ما يدور في محيطنا، والتفاعل معه، واتخاذ قرارات بشأنه. آملين أن نسهم في التحريك نحو مستقبل أكثر سلامًا وشمولًا وتقبلًا.
ننطلق اليوم بدافع الحب لمجتمعاتنا، والحرص على مستقبلها، والإيمان بقدرتنا على تغييرها نحو الأفضل، نحو مجتمع مسالم تتوفر الفرص لأفراده دون تمييز على أساس عرق أو جنس أو دين، نحو مجتمع يسمح لأفراده أن يرسموا واقعهم الجديد الذي يرغبون به.
إننا نطمح اليوم في أن نَصدُقكُم ونُصادِقكم، آملين أن تكون صداقة قيِّمة.